هاجر منصور سراج
1 فبراير، 2025
ريحانتي الراحلة!
تركتُكِ، في آخر زيارة لي، جالسة فوق فراشكِ المهترئ، تضمين بين قبضتيكِ عصا عجفاء، وتصارعين دموعًا حبيسة، بينا تخترق الشمس حجرتك الضيقة القديمة لتلون وجهكِ المجعد، بفعل الزمن، بألوان من الجنة. وحين تلاشت أشباحنا، ترقرقت الدموع وتدحرجت حتى ربتت على شفتيكِ، فأفلتت شهقة صغيرة منكِ. وللحظةٍ، خيل إليكِ أن القومَ عائدون؛ لكن صوت عجلات السيارة المغادرة أنكرت عليكِ خيالكِ. تحاملتِ على نفسكِ، وبكِ رغبة في الصراخ حتى يعودوا إليكِ؛ فزحفتِ، وأنتِ عاجزة عن الوقوف حتى التصقتِ بذلك الجدار السقيم المتداعي، تنظرين نحو الباب الحديدي الذي تآكله الصدأ.
وفي تلك المساحات الصدأية، رأيتِ شيخوختكِ، وتعبكِ، وسقمكِ الذي لن تجدي عنه مصرفا، فأطبقتِ شفتيكِ في قوَّةٍ، ونفضتِ عن وجنتيكِ الهزيلتين الدمع؛ لكن رأسكِ بقي مستندًا إلى الجدار القديم حتى أتتكِ إحدى نساء البيت تسألك عن جلوسكِ لدى الباب. أجبتِ، وفي قلبك لهفةٌ لإفراغ أحزانكِ/
أن قلبكِ تداعى، كجدران تلك الحجرة القديمة!
وأن دمعك تهاوى،
كما يتهاوى الغبار حين نفض المتاع!
وأن جسدك تغضن، كصوف الغنم!
وتخلى اللحم عن جلده،
كما تخلى الأبناء عنك!
وأن صوتك حشرجة!
وأن حشرجتك وفاة!
وأن وفاتك تراب ونعش وكفن!
وأن الحياة استدامت طويلاً!
وأن لا جزاء من الأبناء!
وأن النوائب ثقيلة ثقيلة!
فكيف التبسم قبال العبوس؟!