This story has been taken from Brothers Grimm’s Folk Tale Collections. To make it more interesting, we have elaborated upon it in order to depict the hero’s emotions and give it more meaning and humanity. For every behavior of his, we gave a reason to rid the story of ambiguity and simplicity that is common in folktales. The story is meant for learners of Arabic as an additional language. We have fully vowelized it to make it more readable and comprehensible. Additionally, sentence structures are tailored for non-Arab learners of Arabic. This Arabic story is suitable for upper-intermediate and low advanced learners.
فِي الْمَاضِي، كَانَ هُنَالِكَ مَلِكٌ حَكِيمٌ، يَعْرِفُ كُلَّ سِرٍّ فِي مَمْلَكَتِهِ. لَمْ يَعْرِفِ النَّاسُ سَبَبَ عِلْمِ الْمَلِكِ؛ لَكِنَّهُم كَانُوا يَعْرِفُونَ عَادَتَهُ الْغَرِيبَةَ. كَانَ الْمَلِكُ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ مَعَ الْمَلِكَةِ وَبَعْضِ حَاشِيَتِهِ؛ لَكِنَّهُ كَانَ يَبْقَى وَحِيدًا بَعْدَ أَنْ يُغَادِرُوا. ثُمَّ يُنَادِي الْمَلِكُ خَادِمَهُ الْأَمِينَ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُحْضِرَ طَعَامَهُ الْخَاصَّ. كَانَ هُنَالِكَ طَبَقٌ خَاصٌّ لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مَا فِيهِ، وَلَمْ يَجْرُؤ أَحَدٌ عَلَى رَفْعِ غِطَائِهِ. وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، شَعَرَ الْخَادِمُ بِالْفُضُولِ. قَرَّرَ الْخَادِمُ أَنْ يَرْفَعَ الْغِطَاءَ كَيْ يَعْرِفَ سِرَّ حِكْمَةِ الْمَلِكِ، وَيُصْبِحَ حَكِيمًا مِثْلَهُ.
حَمَلَ الْخَادِمُ الطَّبَقَ إِلَى غُرْفَتِهِ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ بِالْمِفْتَاحِ. جَلَسَ الْخَادِمُ أَمَامَ الطَّبَقِ، وَرَفَعَ الْغِطَاءَ. كَانَ فِي الطَّبَقِ حَيَّةٌ بَيْضَاءُ، فَتَأَمَّلَهَا الْخَادِمُ طَوِيلًا، ثُمَّ قَرَّرَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. قَطَعَ الْخَادِمُ قِطْعَةً صَغِيرَةً مِنْ لَحْمِ الْحَيَّةِ، ثُمَّ أَعَادَ الْغِطَاءَ. قَرَّرَ الْخَادِمُ أَنْ يُعِيدَ الطَّبَقَ بِسُرْعَةٍ، قَبْلَ أَنْ يَكْتَشِفَهُ أَحْدٌ. سَمِعَ الْخَادِمُ أَصْوَاتَ هَمْسٍ فِي الْخَارِجِ، قُرْبَ النَّافِذَةِ، فَتَوَقَّفَ. رَكَضَ الْخَادِمُ نَحْوَ النَّافِذَةِ، وَنَظَرَ حَوْلَهُ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ سِوَى عُصْفُورَيْنِ. كَانَ الْعُصْفُورَانِ يَتَكَلَّمَانِ، وَقَدْ سَمِعَ الْخَادِمُ كَلَامَهُمَا وَفَهِمَهُ؛ فَعَرَفَ أَنَّ لَحْمَ الْحَيَّةِ أَعْطَاهُ الْقُدْرَةَ عَلَى فَهْمِ أَصْوَاتِ الْحَيَوَانَاتِ.
أَعَادَ الْخَادِمُ الطَّبَقَ مُتَأَخِّرًا. نَظَرَ الْجَمِيعُ إِلَى الْخَادِمِ مُسْتَغْرِبِينَ؛ فَاِرْتَبَكَ. وَبَعْدَ سَاعَةٍ، أَعْلَنَتِ الْمَلِكَةُ أَنَّ خَاتَمَهَا الذَّهَبِيَّ مَفْقُودٌ؛ فَاتَّهَمَ الْجَمِيعُ الْخَادِمَ بِسَبَبِ تَأَخُّرِهِ الْغَرِيبِ. نَادَى الْمَلِكُ الْخَادِمَ وَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَقْسَمَ الْخَادِمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقِ الْخَاتَمَ، وَلَمْ يَقْتَرِبْ مِنَ الْمَلِكَةِ!
غَضِبَ الْمَلِكُ، وَقَالَ: أَنْتَ خَادِمِيَ الْمُخْلِصُ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ مَنْ يَعْرِفُ أَسْرَارِي، وَمَنْ يَذْهَبُ إِلَى الْمَلِكَةِ بِأَمْرِي! فإِنْ كَانَ السَّارِقُ شَخْصًا غَيْرَ وَصِيفَاتِ الْمَلِكَةِ، فَسَيَكُونُ أَنْتَ!
أَقْسَمَ الْخَادِمُ مُجَدَّدًا، فَشَتَمَهُ الْمَلِكُ، وَتَوَعَّدَهُ بِالْمَوْتِ؛ لَكِنَّهُ ظَلَّ يُنْكِرُ حَتَّى قَالَ الْمَلِكُ: سَوْفَ أُمْهِلُكَ حَتَّى الْغَدِ. عَلَيْكَ أَنْ تَعْتَرِفَ وَتُسَلِّمَنِي الْخَاتَمَ، أَوْ تَجِدَ السَّارِقَ!
خَرَجَ الْخَادِمُ حَزِينًا خَائِفًا، وَمَشَى طَوِيلًا حَتَّى تَوَقَّفَ أَمَامَ بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ، تَسْبَحُ فِيهَا بَطَّاتٌ. أَخَذَ الْخَادِمُ يُفَكِّرُ فِي حَلٍّ لِمُشْكِلَتِهِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَيْنَ كَانَتِ الْمَلِكَةُ حِينَ فَقَدَتْ خَاتَمَهَا، أَوْ مَنْ قَابَلَتْ! لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَيَّ شَيْءٍ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذِ الطَّبَقَ وَيَتَنَاوَلْ مِنْهُ، لَكَانَ مَعَ الْمَلِكِ، وَحِينَهَا لَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَضَعَ الْخَادِمُ رَأْسَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ خَائِفًا مِنْ عِقَابِ الْمَلِكِ. تَحَرَّكَتِ الرِّيَاحُ حَوْلَهُ، وَلَمِسَهُ الْعُشْبُ، وَكَانَ صَوْتُ الْمَاءِ وَالْبَطِّ جَمِيلًا. شَعَرَ الْخَادِمُ بِقِيمَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي سَيَتْرُكُهَا خَلْفَهُ بَعْدَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْمَلِكُ.
اِنْتَبَهَ الْخَادِمُ، تِلْكَ اللَّحْظَةَ، أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ الْبَطِّ الْمَأْلُوفَ؛ بَلْ سَمِعَ كَلَامًا! تَذَكَّرَ الْخَادِمُ الْهِبَةَ الَّتِي حَصَلَ عَلَيْهَا. تَحَسَّرَ الْخَادِمُ؛ لِأَنَّهُ سَوْفَ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ حَكِيمًا مِثْلَ الْمَلِكِ. تَكَلَّمَتِ الْبَطَّاتُ أَمَامَهُ عَنْ مَوَاضِيعَ كَثِيرَةٍ، وَأَنْصَتَ هُوَ لِكَلَامِهَا بَاسِمًا. وَفَجْأَةً، قَالَتْ إِحْدَى الْبَطَّاتِ: أَنَا لَا أَتَحَرَّكُ الْيَوْمَ كَعَادَتِي! أَشْعُرُ بِنَفْسِي ثَقِيلَةً جِدًّا.
قَالَتِ الْبَطَّةُ الْأُخْرَى: يَبْدُو أَنَّكِ أَكَلْتِي كَثِيرًا الْيَوْمَ.
أَجَابَتِ الْبَطَّةُ: لَا! أَعْتَقِدُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْخَاتَمُ الَّذِي اِبْتَلَعْتُهُ.
سَأَلَتِ الْبَطَّةُ الْأُخْرَى: هَلْ اِبْتَلَعْتِ خَاتَمًا، يَا حَمْقَاءُ؟
أَجَابَتْ: أَجَلْ! لَقَدْ كُنْتُ جَائِعةً وَمُسْتَعْجِلَةً، وَكُنْتُ بَعِيدَةً عَنْ هَذَا الْمَكَانِ. كُنْتُ أَسْفَلَ نَافِذَةِ الْمَلِكَةِ.
سَأَلَتِ الْبَطَّةُ الْأُخْرَى: وَلِمَاذَا ذَهَبْتِ إِلَى هُنَاكَ؟
أَجَابَتْ: وَهَلْ أَعْرِفُ أَنَا؟ سَاقَتْنِي قَدَمَايَ بَحْثًا عَنِ الطَّعَامِ! أَنَا لَمْ أَعْرِفْ أَنَّهَا الْمَلِكَةُ إِلَّا حِينَ تَكَلَّمَ حَارِسٌ كَيْ يَمْنَعَنِي مِنَ الاِقْتِرَابِ! لَقَدْ لَاحَقَنِي الْحَارِسُ طَوِيلًا؛ وَلِذَلِكَ أَصَابَنِي جُوعٌ شَدِيدٌ.
قَالَتِ الْبَطَّةُ الْأُخْرَى: وَكَيْفَ اِبْتَلَعْتِ الْخَاتَمَ؟
أَجَابَتْ: لَا أَعْلَمُ! أَكَلْتُ كُلَّ شَيْءٍ فِي طَرِيقِي، وَأَنَا أَهْرُبُ مِنَ الْحَارِسِ. لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ خَاتَمٌ، لَكِنَّنِي لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَوَقَّفَ! وَحِينَ اِبْتَلَعْتُهُ، تَوَقَّفْتُ! إِنَّهُ ثَقِيلٌ فِي بَطْنِي، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَحَرَّكَ بِسَبَبِهِ!
قَالَتِ الْبَطَّةُ الْأُخْرَى: أَنْتِ حَمْقَاءُ!
قَالَ الْخَادِمُ، وَهُوَ يَقِفُ وَيَقْفِزُ فِي الْبِرْكَةِ: أَنْتِ حَمْقَاءُ حَقًّا!
ثُمَّ أَمْسَكَ الْخَادِمُ الْبَطَّةَ، وَرَكَضَ نَحْوَ الْمَطْبَخِ، وَأَعْطَاهَا لِلطَّبَّاخِ. نَظَرَ الطَّبَّاخُ إِلَى الْبَطَّةِ جَيِّدًا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ بَطَّةٌ سَمِينَةٌ! يَبْدُو أَنَّهَا لَا تُفَكِّرُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ الطَّعَامِ! ثُمَّ ذَبَحَهَا. وبَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الطَّبَّاخُ أَحْشَاءَ الْبَطَّةِ، فَتَّشَ الْخَادِمُ عَنِ الْخَاتَمِ حَتَّى وَجَدَهُ. نَظّفَ الْخَادِمُ الْخَاتَمَ، ثُمَّ رَكَضَ إِلَى الْمَلِكِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الطَّبَّاخَ وَجَدَهُ فِي مَعِدَةِ بَطَّةٍ.
فَرِحَ الْمَلِكُ بِبَرَاءَةِ خَادِمِهِ الْمُخْلِصِ، وَشَعَرَ بِالنَّدَمِ؛ لِأَنَّهُ اتَّهَمَهُ. قَرَّرَ الْمَلِكُ أَنْ يَمْنَحَ الْخَادِمَ أَيَّ شَيْءٍ يَتَمَنَّاهُ؛ لَكِنَّ الْخَادِمَ رَفَضَ كُلَّ عَطَايَا الْمَلِكِ. طَلَبَ الْخَادِمُ شَيْئًا وَاحِدًا. قَالَ الْخَادِمُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْعَظِيمُ، قَبْلَ سَاعَتَيْنِ فَقَطْ، شَعَرْتُ بِقِيمَةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّكَ تَوَعَّدْتَنِي بَالْقَتْلِ! هَذِهِ الْحَيَاةُ مَلِيئَةٌ بَأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَمْ أَنْظُرْ إِلَيْهَا مَرَّتَيْنِ مِنْ قَبْلُ! أُرِيدُ أَنْ أَشْعُرَ بِكُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنْ أَسْمَعَ أَصْوَاتَ الْكَائِنَاتِ... أُرِيدُ أَنْ أَرَى الْحَيَاةَ خَارِجَ هَذَا الْقَصْرِ الْجَمِيلِ. أُرِيدُ أَنْ أُغَادِرَ هَذَا الْقَصْرَ، يَا مَوْلَايَ! أَرْجُوكَ أَنْ تَسْمَحَ لِي، يَا مَوْلَايَ!
وَافَقَ الْمَلِكُ عَلَى طَلَبِ الْخَادِمِ، وَأَعْطَاهُ حِصَانًا وَمَالًا كَيْ يَبْدَأَ رِحْلَتَهُ. غَادَرَ الْخَادِمُ الْقَصْرَ وَتَنَقَّلَ فِي الْمُدُنِ طَوِيلًا، ثُمَّ قَرَّرَ أَنْ يَسِيرَ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَذَاتَ يَوْمٍ، مَشَى الْخَادِمُ بِحِصَانِهِ قُرْبَ بِرْكَةِ مَاءٍ، عَلَى جَوَانِبِهَا نَبَاتَاتٌ كَثِيرَةٌ، وأَزْهَارٌ مُلَوَّنَةٌ، وأَعْوَادُ قَصَبٍ؛ فَتَوَقَّفَ الْخَادِمُ كَيْ يَتَأَمَّلَ جَمَالَ الْمَنْظَرِ أَمَامَهُ.
وَبَيْنَمَا كَانَ الْخَادِمُ وَاقِفًا، سَمِعَ أَصْوَاتًا. نَظَرَ الْخَادِمُ حَوْلَهُ، فَرَأَى ثَلَاثَ سَمَكَاتٍ عَالِقَاتٍ بَيْنَ أَعْوَادِ الْقَصَبِ. كَانَتِ السَّمَكَاتُ تَبْكِي وَتَتَأَلَّمُ؛ لِأَنَّ أَعْوَادَ الْقَصَبِ حَبَسَتْهَا، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَخْرُجَ. أَشْفَقَ الْخَادِمُ عَلَى السَّمَكَاتِ، وَقَفَزَ كَيْ يُخْرِجَهَا. وَحِينَ خَرَجَ الْخَادِمُ مِنَ الْبِرْكَةِ مُبَلَّلًا، سَمِعَ السَّمَكَاتِ تَصِيحُ: لَنْ نَنْسَى جَمِيلَكَ أَبَدًا! سَوْفَ نَرُدُّ جَمِيلَكَ يَوْمًا مَا!
اِبْتَسَمَ الْخَادِمُ، وَرَكِبَ حِصَانَهُ، ثُمَّ غَادَرَ. مَشَى الْحِصَانُ طَوِيلًا، وَالْخَادِمُ يَنْظُرُ حَوْلَهُ، وَيَسْتَمِعُ إِلَى أَصْوَاتِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى الْأَشْجَارِ، وَعَلَى الْأَرْضِ، وَفِي السَّمَاءِ. وَفَجْأَةً، سَمِعَ صَوْتًا مِنْ تَحْتِ التُّرَابِ. أَوْقَفَ الْخَادِمُ الْحِصَانَ، وَاِسْتَمَعَ لِصُرَاخٍ غَاضِبٍ: أَلَنْ يَتَوَقَّفَ الإِنْسَانُ الْبَلِيدُ الْأَحْمَقُ عَنْ تَدْمِيرِ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى؟! لِمَاذَا لَا يَنْتَبِهُ هَذَا الإِنْسَانُ الْبَلِيدُ وَحَيَوَانُهُ الضَّخْمُ إِلَى أَنَّ مَمْلَكَةَ النَّمْلِ تَحْتَهُ؟! اِبْتَعِدْ مِنْ هُنَا، أَنْتَ وَقَوْمُكَ، وَتَوَقَّفُوا عَنْ قَتْلِ شَعْبِي!
تَأَلَّمَ الْخَادِمُ، وَاِعْتَذَرَ مِنْ مَلِكِ النَّمْلِ، ثُمَّ أَبْعَدَ حِصَانَهُ، وَسَارَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ. وَحِينَ كَانَ يَمْشِي مُبْتَعِدًا، سَمِعَ مَلِكَ النَّمْلِ يَصِيحُ: سَأَرُدُّ لَكَ صَنِيعَكَ، أَيُّهَا الْإِنْسَانُ!
مَشَى الْخَادِمُ طَوِيلًا حَتَّى رَأَى عُشَّ غِرْبَانَ عَلَى شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ. كَانَ ذَكَرُ غُرَابٍ وَأُنْثَاهُ يَرْمِيَانِ صِغَارَهُمَا مِنَ الْعُشِّ قَائِلَيْنِ: غَادِرُوا الْعُشَّ! يَكْفِي كَسَلًا! اِذْهَبُوا وَاِبْحَثُوا عَنْ طَعَامِكُم بِأَنْفُسِكُم!
صَاحَتِ الْغِرْبَانُ الصَّغِيرَةُ: لَكِنَّنَا لَا نَعْرِفُ كَيْفَ! نَحْنُ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَطِيرَ! وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَبْنِيَ عُشًّا! نَحْنُ صِغَارٌ لَا نَسْتَطِيعُ فِعْلَ شَيْءٍ!
لَكِنَّ الْأَبَوَيْنِ لَمْ يَهْتَمَّا! نَظَرَ الْخَادِمُ إِلَى ذَلِكَ الْمَشْهَدِ طَوِيلًا، ثُمَّ اِقْتَرَبَ مِنَ الْغِرْبَانِ الصَّغِيرَةِ، وَسَحَبَ سَيْفَهُ. ذَبَحَ الْخَادِمُ حِصَانَهُ، وَتَرَكَهُ لِلْغِرْبَانِ الْجَائِعَةِ. مَشَى الْخَادِمُ بَعِيدًا، لَكِنَّهُ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَسْمَعَ الْغِرْبَانَ تَصِيحُ: أَنْتَ رَجُلٌ طَيِّبٌ! طَيِّبٌ! نَحْنُ لَنْ نَنْسَى مَعْرُوفَكَ هَذَا، وَسَوْفَ نَرُدُّهُ لَكَ يَوْمًا مَا!
سَارَ الْخَادِمُ سَيْرًا بَطِيئًا فِي الْبَرِّيَّةِ حَتَّى رَأَى مَدِينَةً، فَدَخَلَهَا. كَانَتِ الْمَدِينَةُ مُزْدَحِمَةً، وَكَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ وَيَصْرُخُونَ. وَرَغْمَ هَذَا الضَّجِيجِ، شَعَرَ الْخَادِمُ بِالرَّاحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْمَعُ أَصْوَاتًا بَشَرِيَّةً. كَانَ الْخَادِمُ قَدْ تَعَلَّمَ الْكَثِيرَ، وَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعِيشَ وَحِيدًا فِي الْبَرِّيَّةِ؛ فَقَرَّرَ أَنْ يُقِيمَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ.
وَبَعْدَ أَيَّامٍ، سَمِعَ الْخَادِمُ مُنَادِيَ الْمَلِكِ يَجُولُ فِي الْمَدِينَةِ، صَائِحًا: تُعْلِنُ سُمُوُ الْأَمِيرَةِ، اِبْنَةِ مَلِكِنَا الْعَظِيمِ، أَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْ زَوْجٍ قَوِيٍّ، وَشُجَاعٍ، وَذَكِيٍّ! يُمْكِنُ لِأَيِّ رَجُلٍ لَدَيْهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَسَوْفَ تُكَلِّفُهُ الْأَمِيرَةُ بِمُهِمَّةٍ. إِنْ نَجَحَ الرَّجُلُ فِي الْمُهِمَّةِ، سَوْفَ تَتَزَوَّجُهُ الْأَمِيْرَةُ، وَسَوْفَ يُصْبِحُ الْمَلِكَ الْمُسْتَقْبَلِيَّ! وَإِنْ فَشِلَ، فَسَوْفَ يَمُوتُ!
سَمِعَ الْخَادِمُ هُتَافَ الرِّجَالِ الْمُتَحَمِّسِينَ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَهْتَمْ. تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنَ الرِّجَالِ لِخِطْبَةِ الْأَمِيرَةِ؛ لَكِنَّهُم لَمْ يَعُودُوا. اِنْتَشَرَتْ أَخْبَارُ مَوْتِهِم فِي الْمَدِينَةِ؛ لَكِنَّ الرِّجَالَ ظَلُّوا مُتَحَمِّسِينَ. أَرَادَ الرِّجَالُ أَنْ يَحْصُلُوا عَلَى الْعَرْشِ.
تَابَعَ الْخَادِمُ حَيَاتَهُ وَعَمَلَهُ الْجَدِيدَ، دُونَ أَنْ يَهْتَمَّ بَالْأَخْبَارِ. وَذَاتَ يَوْمٍ، أَعْلَنَ الْمُنَادِي أَنَّ مَوْكِبَ الْأَمِيرَةِ سَوْفَ يَمُرُّ. وَقَفَ الْخَادِمُ وَنَظَرَ إِلَى الْمَوْكِبِ صَامِتًا؛ لَكِنَّهُ دُهِشَ حِينَ رَأَى جَمَالَ الْأَمِيرَةِ. كَانَتِ الْأَمِيرَةُ فَاتِنَةَ الْجَمَالِ؛ فَقَرَّرَ الْخَادِمُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْقَصْرِ. قَالَ الْخَادِمُ لِنَفْسِهِ إِنَّهُ سَوْفَ يَخْسَرُ حَيَاتَهُ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْفَوْزَ؛ لَكِنَّهُ قَدْ رَأَى مِنَ الْحَيَاةِ الْكَثِيرَ، وَتَكَلَّمَ مَعَ الْحَيَوَانَاتِ، وَسَاعَدَ النَّاسَ، وَعَمِلَ، وَسَافَرَ. لَمْ يَعُدِ الْخَادِمُ يُرِيدُ مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ شَيْئًا سِوَى الزَّوَاجِ مِنْ تِلْكَ الْأَمِيرَةِ الْفَاتِنَةِ!
ذَهَبَ الْخَادِمُ إِلَى الْقَصْرِ، فَلَمْ يَجِدْ رَجُلًا خَاطِبًا غَيْرَهُ. ضَحِكَ الْحَرَسُ حِينَ رَأَوْهُ، وَقَالَ أَحَدُهُم: اِنْتَهَى دَوْرُ الشُّجْعَانِ، وَالْأَقْوِيَاءِ، وَالطَّمَّاعِينَ؛ وجَاءَ دَوْرُ الْوَسِيمِينَ الْحُكَمَاءِ!
أَخَذَ الْحَرَسُ الْخَادِمَ إِلَى الْمَلِكِ وَالْأَمِيرَةِ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ الْأَمِيرَةُ مُحْتَقِرَةً، وَقَالَتْ: لَمْ يَبْقَ سِوَى أَنْ يَخْطِبَنِي الْفُقَرَاءُ!
ثُمَّ أَمَرَتِ الْحَرَسَ أَنْ يَأْخُذُوهُ فِي قَارِبٍ إِلَى الْبَحْرِ، وَأَنْ يَرْمُوا خَاتَمًا ذَهَبِيًّا إِلَى قَعْرِ الْبَحْرِ؛ ثُمَّ يَقْذِفُوا الْخَادِمَ إِلَى الْبَحْرِ كَيْ يُحْضِرَهُ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِلْخَادِمِ: وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ تَعُودُ بِدُونِهِ، سَوْفَ يُلْقُونَكَ فِي الْبَحْرِ مُجَدَّدًا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَعُودَ بِهِ!
نَظَرَ الْخَادِمُ إِلَى الْأَمِيرَةِ الْفَاتِنَةِ، ثُمَّ وَافَقَ هَادِئًا بَاسِمًا؛ فَاِسْتَغْرَبَ الْجَمِيعُ. مَشَى الْخَادِمُ مَعَ الْحَرَسِ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُم: فِي الْعَادَةِ، لَا نَرَى شَابًّا وَسِيمًا وَحَكِيمًا! عَادَةً مَا يَكُونُ الشَّبَابُ الْوَسِيمُونَ مَغْرُورِينَ، فُضُولِيِينَ، مُتَهَوِّرِينَ.
قَالَ الْخَادِمُ فِي نَفْسِهِ إِنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَنَاوَلَ لَحْمَ الْحَيَّةِ الْبَيْضَاءِ؛ لَكِنَّهُ ظَلَّ يَسْمَعُ كَلَامَ الْحَرَسِ صَامِتًا. قَالَ حَارِسٌ آخَرُ: إِنَّهُ مُتَهَوِّرٌ! قُدُومُهُ إِلَى هُنَا أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى هَذَا! اِسْمَعْ، أَيُّهَا الشَّابُّ، إِنَّ سُمُوَ الْأَمِيرَةِ لَا تُرِيدُ الزَّوَاجَ؛ بَلْ تُرِيدُ أَنْ تُثْبِتَ أَنَّ لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ رَجُلٌ، يَسْتَحِقُّهَا!
تَجَادَلَ الْحَرَسُ بَيْنَهُم، لَكِنَّ الْخَادِمَ ظَلَّ صَامِتًا. وَصَلُوا إِلَى الشَّاطِئِ، وَرَكِبُوا الْقَارِبَ، ثُمَّ رَمُوا الْخَاتَمَ وَاِنْتَظَرُوا قَلِيلًا. قَالَ أَحَدُ الْحَرَسِ لِلْخَادِمِ: أَنَا أُشْفِقُ عَلَيْكَ! لَقَدْ أَضَعْتَ حَيَاتَكَ وَلَمْ تَحْصُلْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَيَاةِ!
ثُمَّ رَمُوهُ فِي الْبَحْرِ. سَبَحَ الْخَادِمُ قَلِيلًا، ثُمَّ غَاصَ، ثُمَّ سَبَحَ عَائِدًا إِلَى السَّطْحِ. قَالَ الْخَادِمُ لِنَفْسِهِ: كَيْفَ أَجِدُ خَاتَمًا فِي الْبَحْرِ؟ مَا هَذَا الْجُنُونُ؟! كَيْفَ اِنْدَفَعْتُ إِلَى هَذِهِ الرَّغْبَةِ؟ أَنَا مُتَهَوِّرٌ حَقًّا! لَكِنَّنِي أَحْبَبْتُ تِلْكَ الْأَمِيرَةَ، وَأُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا!
شَعَرَ الْخَادِمُ بِحُزْنٍ كَبِيرٍ فِي نَفْسِهِ؛ لَكِنَّهُ غَاصَ فِي الْبَحْرِ مُجَدَّدًا، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. أَوْشَكَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ، وَأَصْبَحَ الْخَادِمُ مُتْعَبًا جِدًّا. رَأَى الْخَادِمُ الْحَرَسَ يُجَدِّفُونَ نَحْوَهُ كَيْ يُعِيدُوهُ إِلَى الْبَحْرِ مُجَدَّدًا، فَعَرَفَ أَنَّهُ سَوْفَ يَمُوتُ.
تَنَهَّدَ الْخَادِمُ، وَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ الْحَيَاةِ مَا يَكْفِي، وَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَحْزَنَ! لَقَدْ خُنْتُ ثِقَةَ الْمَلِكِ، لَكِنَّنِي تَعَلَّمْتُ الْكَثِيرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَعَلْتُ خَيْرًا كَثِيرًا.
سَمِعَ الْخَادِمُ صَوْتًا حَادًّا يَقُولُ: نَعَم! لَقَدْ فَعَلْتَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَلَقَدْ أَقْسَمْنَا أَنْ نَرُدَّ لَكَ جَمِيلَكَ!
نَظَرَ الْخَادِمُ أَمَامَهُ، فَرَأَى ثَلَاثَ سَمَكَاتٍ، يَنْظُرْنَ إِلَيْهِ. أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، لَكِنَّ إِحْدَى السَّمَكَاتِ أَخْرَجَتْ الْخَاتَمَ الذَّهَبِيَّ مِنْ فَمِهَا، وَقَالَتْ: لَقَدْ أَنْقَذْتَنَا! وَنَحْنُ الْآنَ نُنْقِذُكَ!
ثُمَّ تَرَكَتِ الْخَاتَمَ فِي يَدِهِ وَغَاصَتْ هِيَ وَالسَّمَكَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فِي الْبَحْرِ. دُهِشَ الْخَادِمُ، وَلَمْ يُصَدِّقْ نَجَاتَهُ. وَحِينَ وَصَلَ الْحَرَسُ، صَاحَ فَرِحًا، وَهُوَ يَرْفُعُ الْخَاتَمَ. فَرِحَ الْحَرَسُ، وَحَمَلُوهُ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْقَصْرِ؛ لَكِنَّ الْأَمِيرَةَ صَاحَتْ غَاضِبَةً، وَقَالَتْ لِأَبِيهَا الْمَلِكِ: لَا يُمْكِنُ أَنْ أَتَزَوَّجَ هَذَا الْفَقِيرَ الْوَضِيعَ! أَنَا لَا أُحِبُّهُ!
قَالَ الْمَلِكُ: لَكِنَّهُ نَجَحَ فِي الْمُهِمَّةِ!
صَاحَتِ الْأَمِيرَةُ: إِذَنْ، سَوْفَ أُكَلِّفُهُ بِمُهِمَّةٍ أُخْرَى.
ثُمَّ خَرَجَتِ الْأَمِيرَةُ إِلَى حَدِيقَةِ الْقَصْرِ، ونَثَرَتْ عَشْرَةَ أَكْيَاسٍ مِنَ الذُّرَةِ الْبَيْضَاءِ، وَقَالَتْ لِلْخَادِمِ: غَدًا صَبَاحًا، سَوْفَ تَأْتِي وَتَجْمَعُ كُلَّ حَبَّةِ ذُرَةٍ! وإِنْ وَجَدْتُ حَبَّةً وَاحِدَةً نَاقِصَةً مِنْ وَزْنِ الْأَكْيَاسِ، سَوْفَ تَمُوتُ!
وَافَقَ الْخَادِمُ، وَعَادَ إِلَى بَيْتِهِ. اِسْتَمَعَ لِحَدِيثِ حَشَرَاتِ اللَّيْلِ، وَالْحَمَامِ قُرْبَ نَافِذَتِهِ، وَالْفِئْرَانِ فِي ثُقُوبِ بَيْتِهِ؛ وَاِبْتَسَمَ. قَالَ لِنَفْسِهِ إِنَّ الْحَيَاةَ مَلِيئَةٌ بَأَشْيَاءَ جَمِيلَةٍ، حَتَّى الْأَمِيرَةُ الْغَاضِبَةُ جَمِيلَةٌ جِدًّا!
وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ الْخَادِمُ إِلَى حَدِيقَةِ الْقَصْرِ، وَبَدَأَ يَجْمَعُ حُبُوبَ الذُّرَةِ. كَانَتِ الذُّرَةُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، بَيْنَ الْعُشْبِ، وَبَيْنَ جُذُورِ الْأَشْجَارِ، وَعَلَى الْأَوْرَاقِ. شَعَرَ الْخَادِمُ بِالتَّعَبِ وَالْعَجْزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ صَعْبًا جِدًّا. جَلَسَ الْخَادِمُ كَيْ يَسْتَرِيحَ، فَسَمِعَ شَخْصًا يَصِيحُ: تَشَجَّعْ، أَيُّهَا الشَّابُّ الْوَسِيمُ الْمُتَهَوِّرُ!
نَظَرَ الْخَادِمُ حَوْلَهُ، فَرَأَى الْحَرَسَ يَبْتَسِمُونَ لَهُ وَيُشَجِّعُونَهُ؛ فَقَامَ مُجَدَّدًا. غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَظْلَمَتِ السَّمَاءُ، وَلَمْ يَمْلَئِ الْخَادِمُ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَكْيَاسٍ. نَظَرَ الْخَادِمُ إِلَى الْأَكْيَاسِ السَّبْعَةِ الْفَارِغَةِ وَبَكَى؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّهُ سَوْفَ يَمُوتُ صَبَاحَ الْغَدِ. قَالَ لِنَفْسِهِ: إِذَا كُنْتُ سَأَمُوتُ غَدًا، فَأُفَضِّلُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مُرْتَاحٌ، لَا مُتْعَبٌ!
ثُمَّ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَنَامَ. اِسْتَيْقَظَ الْخَادِمُ فِي الصَّبَاحِ حِينَ سَمِعَ هُتَافَ الْحَرَسِ: هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الْمُنَاسِبُ!
وَقَفَ الْخَادِمُ وَنَظَرَ إِلَى الْأَمِيرَةِ الْغَاضِبَةِ، ثُمَّ إِلَى الْحَرَسِ الْفَرِحِينَ، ثُمَّ إِلَى الْأَكْيَاسِ الْعَشْرَةِ الْمَلِيئَةِ بِالذُّرَةِ، وَتَعَجَّبَ. وَقَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، سَمِعَ صَوْتًا يَقُولُ: أَنَا مَلِكٌ وَأَحْتَرِمُ وُعُودِي! لَقَدْ قُلْتُ إِنَّنِي سَوْفَ أَرُدُّ صَنِيعَكَ، وَلَقَدْ رَدَدْتُهُ إِلَيْكَ!
نَظَرَ الْخَادِمُ إِلَى الْأَسْفَلِ، فَرَأَى مَلِكَ النَّمْلِ، فَعَرَفَ أَنَّ النَّمْلَ جَمَعَتِ الذُّرَةَ حِينَ كَانَ نَائِمًا؛ فَاِبْتَسَمَ، وَشَكَرَهُ. وَحِينَ نَظَرَ إِلَى الْأَمِيرَةِ فَرِحًا، عَرَفَ أَنَّهَا لَنْ تُوَافِقَ عَلَى الزَّواجِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ غَاضِبَةً. قَالَتِ الْأَمِيرَةُ: لَا تَظُنُّ أَنَّنِي سَأَتَزَوَّجُكَ؛ لِأَنَّكَ غُصْتَ فِي الْبَحْرِ، وَجَمَعْتَ الذُّرَةَ! مُسْتَحِيلٌ! أَنَا أَمِيرَةٌ، وَأَنْتَ شَابٌّ فَقِيرٌ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا فِي الْحَيَاةِ.
غَضِبَ الْخَادِمُ، لَكِنَّهُ قَالَ هَادِئًا بَاسِمًا: أَنَا مُتَأَكِّدٌ، يَا سُمُوَ الْأَمِيْرَةِ، أَنَّنِي أَعْرِفُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
غَضِبَتِ الْأَمِيرَةُ، وَصَاحَتْ: إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ حَقًّا، فَعَلَيْكَ أَنْ تُحْضِرَ لِي التُّفَّاحَةَ الْعَجِيبَةَ، قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَنِي!
تَعَجَّبَ الْخَادِمُ؛ فَضَحِكَتِ الْأَمِيرَةُ سَاخِرَةً، وَقَالَتْ: أَنْتَ لَا تَعْرِفُ مَا هِيَ التُّفَاحَةُ الْعَجِيبَةُ! إِذَا لَمْ تُحْضِرْهَا بَعْدَ أُسْبُوعٍ، فَسَوْفَ تَمُوتُ!
ثُمَّ غَادَرَتْ ضَاحِكَةً. نَظَرَ الْخَادِمُ إِلَى الْحَرَسِ، فَقَالُوا: نَحْنُ لَا نَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ هَذِهِ التُّفَّاحَةِ سِوَى أَنَّهَا ذَهَبِيَّةُ اللَّوْنِ... لَكِنْ لَا أَحَدَ يَعْرِفُ مَكَانَهَا!
جَمَعَ الْخَادِمُ طَعَامًا وَشَرَابًا، وَغَادَرَ الْمَدِينَةَ إِلَى الْغَابَةِ. مَشَى الْخَادِمُ فِي الْغَابَةِ طَوِيلًا، وَتَكَلَّمَ مَعَ الْحَيَوَانَاتِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ إِجَابَةً. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَئِسَ الْخَادِمُ؛ فَقَرَّرَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ الْخَادِمُ لِنَفْسِهِ: لَوْ عُدْتُ بِالتُّفَّاحَةِ، سَوْفَ تُكَلِّفُنِي تِلْكَ الْأَمِيرَةُ بِمُهِمَّةٍ أَصْعَبَ! يَبْدُو أَنَّنِي سَأَمُوتُ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا.
تَكَلَّمَتْ حَشَرَةٌ قُرْبَهُ: أَنْتَ أَحْمَقُ! أَحْمَقُ!
رَدَّدَ: نَعَمْ، أَنَا أَحْمَقُ. لَيْتَ لَحْمَ الْحَيَّةِ الْبَيْضَاءِ جَعَلَنِي حَكِيمًا مِثْلَ مَلِكِي! كُلُّ مَا حَصَلْتُ عَلَيْهِ هُوَ التَجَوُّلُ بَيْنَ الْمُدُنِ وَالْحَيَوَانَاتِ! أَنَا أَحْمَقُ! أَحْمَقُ!
صَاحَ صَوْتٌ فَوْقَهُ: أَنْتَ رَجُلٌ طَيِّبٌ! طَيِّبٌ! وَنَحْنُ لَمْ نَنْسَ مَعْرُوفَكَ أَبَدًا.
رَفَعَ الْخَادِمُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ مُتَعَجِّبًا، فَرَأَى ثَلَاثَةَ غِرْبَانَ كَبِيرَةٍ. أَسْقَطَ غُرَابٌ تُفَّاحَةً ذَهَبِيَّةً لَامِعَةً فِي حِضْنِ الْخَادِمِ، ثُمَّ صَاحَ: سَمِعْنَا أَنَّكَ تَبْحَثُ عَنْهَا! أَنْتَ رَجُلٌ طَيِّبٌ! طَيِّبٌ! بَحَثْنَا نَحْنُ عَنْهَا! إِنَّهَا لَكَ! لَكَ! لَقَدْ ذَبَحْتَ لَنَا حِصَانَك! نَحْنُ الْيَوْمَ نَرُدُّ لَكَ الْمعْرُوفَ! أَنْتَ رَجُلٌ طَيِّبٌ! طَيِّبٌ!
ثُمَّ حَامَتْ حَوْلَهُ وَطَارَتْ بَعِيدًا. نَظَرَ الْخَادِمُ إِلَى التُّفَّاحَةِ اللَّامِعَةِ، ثُمَّ بَكَى فَرِحًا. هَبَطَ الْخَادِمُ الْجَبَلَ مُسْتَعْجِلًا، وَرَكَضَ فِي الْغَابَةِ. وَحِينَ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ لَهُ الْحَرَسُ: أَنْتَ غَائِبٌ مُنْذُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ! هَلْ وَجَدْتَ التُّفَّاحَةَ؟!
فَأَخْرَجَ الْخَادِمُ التُّفَّاحَةَ وَأَرَاهُم. صَاحَ الْحَرَسُ فَرِحِينَ، وَأَخْبَرُوه أَنَّ الْأَمِيرَةَ جَالِسَةٌ فِي الْحَدِيقَةِ. رَكَضَ الْخَادِمُ إِلَى الْأَمِيرَةِ، ثُمَّ أَعْطَاهَا التُّفَّاحَةَ. نَظَرَتِ الْأَمِيرَةُ إِلَيْهِ مُنْدَهِشَةً، ثُمَّ قَالَتْ: أَنَا لَمْ أَتَوَقَّعْ أَنْ تَعُودَ أَبَدًا!
قَالَ لَهَا الْخَادِمُ: لَقَدْ عُدْتُ؛ لِأَنَّكِ أَرَدْتِ هَذِهِ التُّفَّاحَةَ! لَقَدْ فَعَلْتُ الْكَثِيرَ فِي حَيَاتِي. وَلَقَدْ شَعَرْتُ بِقِيمَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِسَبَبِ مُهِمَّاتِكِ الصَّعْبَةِ. هَيَّا، يَا سُمُوَ الْأَمِيرَةِ، تَنَاوَلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ. لَقَدْ أَحْضَرْتُهَا لِأَجْلِكِ!
قَضَمَتِ الْأَمِيرَةُ مِنَ التُّفَّاحَةِ، ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَى الْخَادِمِ. لَمْ يَرَ الْخَادِمُ الْكَرَاهِيَّةَ فِي عَيْنَيْهَا، وَلَمْ يَرَ الْقَسْوَةَ، وَلَمْ يَرَ النُّفُورَ؛ بَلْ رَأَى إِعْجَابًا وَحُبًّا. أَعْطَتِ الْأَمِيرَةُ الْخَادِمَ التُّفَّاحَةَ، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا. عَرَفَ الْخَادِمُ أَنَّ التُّفَّاحَةَ سِحْرِيَّةٌ، وَأَنَّهَا جَعَلَتِ الْأَمِيرَةَ تُحِبُّهُ! تَعَجَّبَ الْخَادِمُ، لَكِنَّهُ فَرِحَ فَرَحًا كَبِيرًا. ذَهَبَتِ الْأَمِيرَةُ إِلَى أَبِيهَا الْمَلِكِ، وَهِي بَاسِمَةٌ سَعِيدَةٌ. أَخْبَرَتِ الْأَمِيْرَةُ أَبَاهَا الْمَلِكَ بِنَجَاحِ الْخَادِمِ، ففَرِحَ الْمَلِكُ، وَقَالَ لِلْخَادِمِ: أَنَا سَعِيدٌ جِدًّا أَنَّ عَزِيمَتَكَ غَيَّرَتْ أَفْكَارَ اِبْنَتِي! لَقَدْ أَرَادَتْ أَنْ تُثْبِتَ لِي أَنَّ جَمِيعَ الرِّجَالِ يُرِيدُونَ الْعَرْشَ! أَنْتَ وَحْدَكَ مَنْ فَكَّرْتَ فِيهَا! أَنَا سَعِيدٌ جِدًّا! أَنْتَ شَابٌّ صَبُورٌ وَحَكِيمٌ، وَسَوْفَ تَكُونُ مَلِكًا حَكِيمًا وَعَظِيمًا!
فَقَالَ الْخَادِمُ فِي نَفْسِهِ: أَنَا لَسْتُ حَكِيمًا... لَقَدِ اِسْتَمَعْتُ إِلَى أَصْوَاتِ الْكَائِنَاتِ، وَعَرَفْتُ قِيمَةَ الْحَيَاةِ، وَسَاعَدْتُ الْمَسَاكِينَ... هَذِهِ الْحَيَاةُ مَلِيئَةٌ بَأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، وَأَنَا لَمْ أَعْرِفْ مِنْهَا سِوَى الْقَلِيلِ!