فِي غَابَةِ الشَّيَطَانِ

فِي غَابَةِ الشَّيَطَانِ

This Arabic story is for learners of Arabic as an additional language. We took it from a book written by Kamil Keilany, an Egyptian writer and a poet. The original text was written for native speakers of Arabic. To make it suitable for learners of Arabic as an additional language, we have abridged it, rephrased it in an elegant, flowing, and less complicated prose, and added to it our creative writing touch. Besides, we have fully vowelized it to make it more readable and comprehensible. Additionally, sentence structures are tailored for non-Arab learners of Arabic. This Arabic story is suitable for upper-intermediate and low advanced learners.

كَانَ مَلِكُ مَمْلَكِةِ كُوسَالَا شَيْخًا حَكِيمًا قَوِيًّا، لَكِنَّهُ أَصْبَحَ ضَعِيفًا وَعَاجِزًا عَنْ إِدَارَةِ الْمَمْلَكَةِ؛ فَقَرَّرَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمُلْكَ إِلَى اِبْنِهِ الْأَكْبَرِ رَامَا. كَانَ عِنْدَ الْمَلِكِ ثَلَاثَةُ أَبْنَاءٍ: رَامَا، وَبَهَارَات، وَلَكْشِمَان، وَكَانَ رَامَا اِبْنُ زَوْجَتِهِ الْأُولَى، والاِثْنَانِ الآخَرَان اِبْنَيْ زَوْجَتِهِ الثَّانِيَةِ.

كَانَ رَامَا شَابًّا شُجَاعًا، قَوِيًّا، وَسِيمًا؛ وَكَانَ صَالِحًا وَحَكِيمًا. كَمَا كَانَ رَامَا ماهِرًا فِي اِسْتِخْدَامِ الْأَسْلِحَةِ كُلِّهَا، وَخُصُوصًا الْقَوْسَ. وَكَانَ الشَّعْبُ يُحِبُّونَ رَامَا بِسَبَبِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ. كَمَا أَحَبُّوا زَوْجَتَهُ سِيتَا؛ لِأَنَّهَا شُجَاعَةٌ، وَكَرِيمَةٌ، وَصَالِحَةٌ. وَكَانَ مَلِكُ كُوسَالَا الشَّيْخُ وَاثِقًا أَنَّ رَامَا سَيَكُونُ مَلِكًا عَادِلًا وَمَحْبُوبًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ زَوْجَتَهُ الثَّانِيَةَ كِيكِي وَخَادِمَتَهَا الْعَجُوزَ غَاضِبَتَانِ وَكَارِهَتَانِ.

اِحْتَفَلَ الشَّعْبُ بِقَرَارِ الْمَلِكِ، فَزَيَّنُوا الشَّوَارِعَ، وَأَعَدُّوا الْأَطْعِمَةَ، وَغَنُّوا الْأَغَانِيَ، وَرَقَصُوا الرَّقَصَاتِ الشَّعْبِيَّةَ. كَانَتِ الْمَلِكَةُ كِيكِي تُرَاقِبُ كُلَّ مَظَاهِرِ الْاِحْتِفَالِ، وَهِيَ تَكَادُ تَبْكِي. كَانَتْ غَاضِبَةً وَمُتَأَلِّمَةً، وَاِلْتَفَتَتْ إِلَى خَادِمَتِهَا قَائِلَةً: لَيْتَ النَّاسَ يَحْتَفِلُونَ بِابِنْي أَنَا. لَيْتَهُم يَحْتَفِلُونَ بِبَهَارَاتَ!

قَالَتِ الْخَادِمَةُ الْعَجُوزُ: لِمَاذَا لَمْ تَطْلُبِي مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يُتَوِّجَ وَلَدَكِ أَنْتِ؟ إِنَّهُ يُحِبُّ بَهَارَاتَ كَمَا يُحِبُّ رَامَا، وَيُحِبُّكِ أَيْضًا.

قَالَتِ الْمَلِكَةُ كِيكِي غَاضِبَةً: وَهَلْ تَظُنِّينَ أَنَّهُ سَيَسْمَعُ كَلَامِي وَيُلَبِّي طَلَبِي؟!

قَالَتِ الْخَادِمَةُ الْعَجُوزُ: بَلْ سَيُجِيبُ طَلَبَكِ حِينَ تَطْلُبِينَ مِنْهُ. هَلْ تَذْكُرِينَ عِنْدَمَا عَادَ الْمَلِكُ مِنْ آخِرَ حَرْبٍ. كَانَ الْمَلِكُ مُصَابًا إِصَابَةً شَدِيدَةً، وَلَمْ يَسْتَطِعِ الطَّبِيبُ أَنْ يُعَالِجَهُ. أَنْتِ، يَا مَوْلَاتِي، مَنِ اِهْتَمَّ بِالْمَلِكِ وَعَالَجَهُ. لَقَدْ بَقِيتِ قُرْبَ الْمَلِكِ حَتَّى شُفِيَ. هَلْ تَذْكُرِينَ؟ لَقَدْ قَالَ لَكِ إِنَّكِ أَنْقَذْتِ حَيَاتَهُ، وَإِنَّهُ مَدِينٌ لَكِ، وإِنَّهُ سَوْفَ يُلَبِّي لَكِ أُمْنِيَتَيْنِ. أَنْتِ لَمْ تَطْلُبِي مِنْهُ شَيْئًا. أَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الْمُنَاسِبُ كَيْ تُحَقِّقِي أُمْنِيَاتِكِ.

نَظَرَتِ الْمَلِكَةُ كِيكِي إِلَى خَادِمَتِهَا مُعْجَبَةً بِأَفْكَارِهَا، وَشَكَرَتْهَا كَثِيرًا، ثُمَّ ذَهَبَتْ إِلَى غُرْفَةِ الْمَلِكِ، وَقَالَتْ لَهُ: هَلْ تَذْكُرُ حِينَ عَالَجْتُكَ مِنْ إِصَابَتِكَ؟

اِبْتَسَمَ الْمَلِكُ، وَقَالَ: وَمَنْ يَنْسَى ذَلِكَ؟! لَقَدْ قُمْتِ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ. أَنَا مَدِينٌ لَكِ بِحَيَاتِي.

اِبْتَسَمَتِ الْمَلِكَةُ كِيكِي، وَقَالَتْ: وَهَلْ تَذْكُرُ أَنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ تُحَقِّقَ لِي أُمْنِيَتَيْنِ؟

أَجَابَ الْمَلِكُ: نَعَم، أَتَذَكَّرُ وَعْدِي جَيِّدًا، وَهُوَ فِي عُنُقِي حَتَّى تَطْلُبِينَ. وَأَنَا أُقْسِمُ لَكِ أَنَّنِي سَأُنَفِّذُ أَيَّ شَيْءٍ تَطْلُبِينَ.

فَرِحَتِ الْمَلِكَةُ فَرَحًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: إِنَّنِي أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تُعْلِنَ الْيَوْمَ اِبْنِي بَهَارَاتَ مَلِكًا بَدَلًا مِنْ رَامَا، وأَنْ تَنْفِيَ رَامَا إِلَى غَابَةِ الشَّيْطَانِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا!

صَاحَ الْمَلِكُ غَاضِبًا، وَوَقَفَ قَائِلًا: مَا هَذَا الْكَلَامُ! كَيْفَ أَتَتْكِ الْجُرْأَةُ لِتَقَولِي هَذَا الْكَلَامَ؟ أَنْتِ اِمْرَأَةٌ خَبِيثَةٌ وَشِرِّيرَةٌّ!

صَاحَتِ الْمَلِكَةُ، وَهِي تَكْتُمُ خَوْفَهَا: لَقَدْ وَعَدْتَ وَأَقْسَمْتَ! هَلْ تَجْرُؤُ عَلَى الْحَنْثِ؟ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، سَوْفَ أَجْعَلُ فَضِيحَتَكَ هَذِهِ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ فِي الْمَمْلَكَةِ، وَسَوْفَ يَعْلَمُ الْمُلُوكُ كُلُّهُم أَنَّكَ حَنَثْتَ بِوَعْدِكَ، وَسَوْفَ تَضِيعُ هَيْبَتُكَ!

غَضِبَ الْمَلِكُ غَضَبًا شَدِيدًا، وَتَحَرَّكَ نَحْوَ الْمَلِكَةِ مُهَدِّدًا؛ فَتَرَاجَعَتْ إِلَى الْوَرَاءِ ثُمَّ هَرَبَتْ، وَهِيَ تُرَدِّدُ تَهْدِيدَهَا لَهُ. نَظَرَ الْمَلِكُ حَوْلَهُ بِحُزنٍ، ثُمَّ جَلَسَ وَهُوَ لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ؛ فَلَا يَسْتَطِعُ أَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفِيَ اِبْنَهُ إِلَى غَابَةِ الشَّيْطَانِ. تَفَكَّرَ الْمَلِكُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي أَرَادَتْهَا زَوْجَتُهُ الْخَبِيثَةُ، وَبَكَى.

قَرَّرَ الْمَلِكُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنْ تَتَرَاجَعَ عَمَّا طَلَبَتْ؛ فَذَهَبَ إِلَيْهَا، وَتَودَّدَ إِلَيْهَا، وتَقَرَّبَ مِنَهَا، وَتَوَسَّلَ إِلَيْهَا؛ لَكِنَّهَا رَفَضَتْ أَنْ تَسْتَجِيبَ، وَأَصَرَّتْ عَلَى مَا طَلَبَتْ؛ فَغَضِبَ وَهَدَّدَهَا وَعَنَّفَهَا، لَكِنَّهَا رَفَضَتْ أَيْضًا؛ فَسَأَلَهَا: لِمَاذَا تَكْرَهِينَ رَامَا كُلَّ هَذَا الْكُرْهِ؟ لَقَدْ كَانَ رَقِيقًا مَعَكِ، عَطُوفًا، مُخْلِصًا. لِمَاذَا تُرِيدِينَ رَمْيَهُ إِلَى غَابَةٍ مَلِيئَةٍ بِالشَّيَاطِينِ وَالْعَفَارِيتِ؟ لِمَاذَا تَكْرَهِينَهُ؟!

أَجَابَتِ الْمَلِكَةُ: أَنَا لَا أَكْرَهُ رَامَا، لَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الْمَلِكُ اِبْنِيَ، وَلَيْسَ اِبْنَ ضِرَّتِي! وَإِذَا نَفَيْتَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، لَنْ يَعُودَ وَيَأْخُذَ الْعَرَشَ مِنِ اِبْنِي؛ وَأَنَا أَتَمَنَّى أَنْ تَقْتُلَهُ الشَّيَاطِينُ، فَلَا يَعُودُ أَبَدًا.

غَضِبَ الْمَلِكُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا. غَادَرَ الْمَلِكُ الْغُرْفَةَ حَزِينًا مَهْمُومًا، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى قَاعَةِ الْاِسْتِقْبَالِ. كَانَتِ الْقَاعَةُ مَلِيئَةً بِمُلُوكٍ، وَأُمَرَاءَ، وَقَادَةٍ، وَرُؤسَاءَ؛ وَكَانُوا جَمِيعًا يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَيَمْرَحُونَ. جَلَسَ الْمَلِكُ صَامِتًا، وَبَعْدَ أَنْ اِنْتَهَى الْحَفْلُ، وَقَفَ الْمَلِكُ وَأَعْلَنَ اِبْنَهُ بَهَارَاتَ مَلِكًا؛ فَأَصَابَتِ الدَّهْشَةُ الْجَمِيعَ، وَسَأَلَ رَامَا أَبَاهُ: لِمَاذَا بَدَّلْتَ قَرَارَكَ، يَا مَوْلَايَ؟ هَلْ خُنْتُ ثِقَتَكَ فِي شَيْءٍ؟

أَنْزَلَ الْمَلِكُ رَأْسَهُ بِحُزْنٍ، وَأَجَابَ: كَلَّا، لَكِنَّنِي أَعْطَيْتُ وَعْدًا لِلْمَلِكَةِ، وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُخْلِفَ وَعْدِي وَأَتْرُكَ هَيْبَتِي تَضِيعُ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا نَقِيسُ الْمَلِكَ بِهَيْبَتِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَأَنَا وَعَدْتُ تِلْكَ الْمَرأْةَ الشَّرِيرَةَ الَّتِي طَلَبَتْ أَيْضًا أَنْ أَنْفِيَكَ إِلَى غَابَةِ الشَّيْطَانِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا.

عَمَّ الصَّمْتُ فِي الْقَاعَةِ، فَنَظَرَ الْمَلِكُ إِلَى وَجْهِ اِبْنِهِ الشَّاحِبِ، ثُمَّ قَالَ: سَامِحْنِي، يَا وَلَدِي. لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّهَا اِمْرَأَةٌ حَاقِدَةٌ.

صَاحَ شَخْصٌ فِي الْقَاعَةِ: اللَّعْنَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ الشِّرِيرَةِ! وَصَاحَ بَعْدَهُ مَنْ فِي الْقَاعَةِ كُلُّهُم إِلَّا الْمَلِكُ وَأَبْنَاؤُهُ.

اِقْتَرَبَ الْأَمِيرُ بَهَارَاتَ مِنْ أَخِيهِ قَائِلًا: أَخِي، إِنِّي - وَاللَّهِ - لَا أُرِيدُ الْعَرْشَ وَلَا أَطْمَعُ إِلَى أَخْذِهِ. وَأَنَا أَرَى أَنَّكَ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي، وَهَذَا قَرَارُ وَالِدُنَا الْأَوَّلُ. وَالْآنَ، بَعْدَ أَنْ قَيَّدَتْ وَالِدَتِي الْمَلِكَةُ وَالِدَنَا بَهَذَا الْقَيْدِ، أَنَا أُعْلِنُ أَنَّنِي لَنْ آخُذَ الْعَرْشَ.

نَظَرَ رَامَا إِلَى أَخِيهِ مُبْتَسِمًا، ثُمَّ قَالَ: لَا، يَا أَخِي، لَقَدْ أَعْلَنَ وَالِدُنَا أَنَّ الْعَرْشَ لَكَ، وَأَنَا ذَاهِبٌ الْآنَ إِلَى غَابَةِ الشَّيْطَانِ، وَسَأَمْكُثُ فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا؛ فَمَنْ سَيُعِينُ وَالِدَنَا؟ مَنْ سَيْحْكُمُ بَدَلَهُ؟ يَجِبُ أَنْ تَأْخُذَ الْعَرْشَ، يَا أَخِي.

نَظَرَ بَهَارَاتُ إِلَى أَخِيهِ بِحُزْنٍ، وَشَعَرَ بِالْعَارِ بِسَبَبِ طَلَبِ أُمِّهِ؛ لَكِنَّهُ هَزَّ رَأْسَهُ مُوَافِقًا، ثُمَّ قَالَ: إِذَنْ أَحْكُمُ نَائِبًا عَنْكَ حَتَّى تَعُودَ. سَوْفَ يَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ بِاسْمِكَ، وَحِينَ تَعُودُ سَتَكُونُ الْمَلِكَ، وَسَأَكُونُ نَائِبَكَ فَقَطْ. لَا تُجَادِلْنِي، يَا أَخِي، إِنَّنِي أُقْسِمُ عَلَى هَذَا!

صَمَتَ رَامَا قَلِيلًا، ثُمَّ هَزَّ رَأْسَهُ وَاِبْتَسَمَ؛ وَحِينَ اِلْتَفَتَ، رَأَى زَوْجَتَهُ سِيتَا قَادِمَةً. تَوَقَّفَتْ سِيتَا أَمَامَهُ، وَصَاحَتْ: أَنْتَ لَنْ تَذْهَبَ وَحْدَكَ، يَا زوْجِي! سَوْفَ أَذْهَبُ مَعَكَ.

أَخْبَرَ رَامَا زَوْجَـتَهُ أَنَّ الْغَابَةَ مَلِيئَةٌ بِالشَّيَاطِينِ وَالْمَخَاطِرِ، وَأَنَّ الْعَيْشَ هُنَاكَ لَا يُنَاسِبُهَا أَبَدًا، وَأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَبْقَى فِي الْقَصْرِ حَتَّى يَعُودَ؛ فرَفَضَتْ. تَوَسَّلَتْ سِيتَا زَوْجَهَا، لَكِنَّهُ رَفَضَ وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ سَوْفَ يَنْشَغِلُ عَنْهَا بِالْبَحْثِ عَنِ الطَّعَامِ، وَالْمَاءِ، وَالْمَأْوَى؛ وَأَنَّه سَوْفَ يَتْرُكَهَا خَلْفَهُ مُضْطَرًّا، وَسَوْفَ تُهَاجِمُهَا الشَّيَاطِينُ.

تَكَلَّمَ الَأَخُ الْأَصْغَرُ لَكْشِمَانُ: أَنَا ذَاهِبٌ مَعَكَ، يَا أَخِي. لَنْ أَتْرُكَكَ فِي مَنْفَاكَ وَحْدَكَ، وَسَأَحْمِي الْأَمِيرَةَ سِيتَا بِكُلِّ قُوَّتِي. أَنَا ظَهْرُكَ وَسَنَدُكَ، فَلَا تَرْفُضْ، وَلَا تَمْنَعْنَا، وَلَا تَغْضَبْ عَلَيْنَا؛ فَنَحْنُ قَادِمُونَ مَعَكَ مَهْمَا قُلْتَ.

حَاوَلَ رَامَا أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ وَأَخَاهُ طَوِيلًا، لَكِنَّهُمَا أَصَرَّا؛ فَصَمَتَ وَمَضَى كَيْ يُوَدِّعَ أَبَاهُ، ثُمَّ غَادَرَ إِلَى الْغَابَةِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَخِيهِ. وَدَّعَ الشَّعْبُ الْأُمَرَاءَ بَالْأَغَانِي الْحَزِينَةِ، وَوَقَفَ الْمَلِكُ الشَّيْخُ يَنْظُرُ إِلَيْهِم حَزِينًا، ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ. تَقلَّبَ الْمَلِكُ فِي فِرَاشِ الْمَرَضِ أَيَّامًا، ثُمَّ مَاتَ مَحْزُونًا.

فَرِحَتِ الْمَلِكَةُ كِيكِي حِينَ مَاتَ زَوْجُهَا، وَظَنَّتْ أَنَّ اِبْنَهَا سَوْفَ يُتَوِّجُ نَفْسَهُ بَدَلًا مِنْ اِنْتِظَارِ رَامَا؛ لَكِنَّ بَهَارَاتَ ذَهَبَ إِلَى الْغَابَةِ كَيْ يُخْبِرَ الْأُمَرَاءَ بِوَفَاةِ الْمَلِكِ، وَيُؤَكِّدَ أَنَّهُ سَيَحْكُمُ الْمَمْلَكَةَ بِاِسْمِ أَخِيهِ رَامَا؛ ثُمَّ عَادَ حَزِينًا إِلَى الْمَمْلَكَةِ. وَكَانَتْ أُمُّهُ الْمَلِكَةُ كِيكِي تَقُولُ لِخَادِمَتِهَا: سَوْفَ يُحِبُّ الْمُلْكَ وَيَنْقَلِبُ عَلَى أَخِيهِ، وَرُبَّمَا يَصِلُنَا خَبَرُ هَلَاكِ رَامَا قَبْلَ ذَلِكَ. لَنْ يَنْجُوَ أَبَدًا فِي تِلْكَ الْغَابَةِ. الشَّيَاطِينُ تَحُومُ فِيهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَلَا أَظُنُّ أَنَّنَا سَنَنْتَظِرُ طَوِيلًا حَتَّى يَمُوتَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الصَّغِيرَةُ!

لَكِنَّ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ كَامِلَةٍ مَضَتْ، وَلَمْ يَصِلْ خَبَرُ وَفَاةِ رَامَا. كَانَ الْأُمَرَاءُ يَتَجَوَّلُونَ فِي الْغَابَةِ كُلَّ يَوْمٍ، وَلَمْ يَبْنُوا كُوخًا أَوْ يَضَعُوا خَيْمَةً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَلَمْ يَرَوا طَوَالَ عَشْرِ سَنَواتٍ أَيَّ شَيْطَانٍ. وَبِسبَبِ هَذَا، ظَنَّ الْأُمَرَاءُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ خُرَافَةٌ، وَأَنَّ النَّاسَ رُبَّمَا سَمِعُوا أَصْوَاتًا أَوْ تَوَهَّمُوهَا!

وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، عِنْدَمَا كَانَ الْأُمَرَاءُ يَمْشُونَ فِي الْغَابَةِ، رَأَوا صَوْمَعَةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى بَابِهَا جَلَسَ شَيْخٌ بِلِحْيَةٍ بَيْضَاءَ كَثِيفَةٍ. نَظَرَ الشَّيْخُ إِلَيْهُم طَوِيلًا، ثُمَّ نَادَاهُمْ. اِقْتَرَبَ الْأُمَرَاءُ مِنْهُ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. أَخْبَرَهُمُ الشَّيْخُ أَنَّهُ نَاسِكٌ، وَاِسْمُهُ أَجَسْتَاي؛ وَرَحَّبَ بِهِم، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى صَوْمَعَتِهِ، وَقَدَّمَ لَهُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ.

أَخَبَرَ الْأُمَرَاءُ النَّاسِكَ عَنْ قِصَّتِهِم، وَأَنَّهُم لَمْ يَرَوا شَيْطَانًا أَبَدًا طَوَالَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ؛ فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الْغَابَةِ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ، وَأَرَى الشَّيَاطِينَ كُلَّ يَوْمٍ تَجْلِسُ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِي وَتُرَاقِبُنِي؛ لَكِنَّهَا لَمْ تَقْتَرِبْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ زَعِيمَهَا رَفَانَا أَبَدًا. هِيَ لَمْ تُؤْذِنِي أَبَدًا؛ لَأَنَّنِي أَمْلِكُ أَسْلِحَةً مَسْحُورَةً تَقْتُلُهَا مِنْ أَوَّلِ ضَرْبَةٍ... أَنَا أَسْتَغْرِبُ، أَيُّهَا الْأُمَرَاءُ، أَنَّهَا لَمْ تَقْتَرِبْ مِنْكُم... لَا، بَلْ إِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْهَا مُطْلَقًا! لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ ضَمَانًا لِأَمْنِكُم؛ فَيَجِبُ عَلَيْكُم أَنْ تَكُونُوا حَذِرِينَ، وَأَنْ تَخْتَارُوا أَمَاكِنَكُم بِحِرْصٍ، وَأَنْ تَنْظُرُوا حَوْلَكُم دَائِمًا؛ وَسَوْفَ أُزَوِّدُكُم بِبَعْضٍ مِنْ أَسْلِحَتِي الَّتِي تَخَافُ مِنْهَا الشَّيَاطِينُ وَتَبْتَعِدُ عَنْهَا.

هَبَطَ النَّاسِكُ إِلَى الْقَبْوِ، وَهَبَطَ مَعَهُ الْأُمَرَاءُ. وَعِنْدَمَا رَأَوا أَسْلِحَتَهُ، أَصَابَتْهُمُ الدَّهْشَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَسْلِحَةً قَوِيَّةً وَجَذَّابَةً. وَبَعْدَ أَنْ أَخَذَ رَامَا قَوْسًا وَسِهَامًا كَثِيرَةً، وَأَخَذَ لَكْشَمَانُ سَيْفًا قَوِيًّا، شَكَرُوا النَّاسِكَ، وَقَالَ لَهُ رَامَا: عَهْدًا عَلَيَّ، أَيُّهَا النَّاسِكُ الْفَاضِلُ، أَنْ أَقْتُلَ كُلَّ الشَّيَاطِينِ الشَّرِّيرَةَ، وَأَنْ أَجْعَلَ الْأَرْضَ آمِنَةً، وأَنْ أَسْتَخْدِمَ هَذِهِ الْأَسْلِحَةَ لِهَذِهِ الْغَايَةِ.

اِبْتَسَمَ النَّاسِكُ، وَوَعَدَ رَامَا أَنَّهُ سَيَدْعُو لَهُ حَتَّى يُحَقِّقَ هَدَفَهُ؛ ثُمَّ وَدَّعَهُم وَعَادَ إِلَى الصَّوْمَعَةِ. مَشَى الْأُمَرَاءُ مَسَافَةً طَوِيلَةً حَتَّى تَوَقَّفُوا مُشْرِفِينَ عَلَى وَادٍ شَدِيدِ الْخُضْرَةِ، كَثِيرِ الزَّهْرِ، وَفِيرِ الْمَاءِ؛ فَقَالَتْ سِيتَا: إِنَّ هَذَا الْمَكَانَ أَجْمَلُ مَكَانٍ فِي الدُّنْيَا! لَيْتَنَا نُقِيمُ هُنَا! لَقَدْ قَالَ النَّاسِكُ إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَزُورُ هَذَا الْوَادِيَ كَثِيرًا، وإِنَّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ هُنَا وَفِيرٌ جِدًّا؛ فَهَلْ نُقِيمُ هُنَا؟

نَظَرَ رَامَا إِلَيْهَا مُبْتَسِمًا، ثُمَّ قَالَ: نَعَم، إِنَّهُ مَكَانٌ بَدِيعٌ. وَأَنَا أَرَى أَنْ نُلْقِيَ عَصَا التِّرْحَالِ هُنَا. لَقَدْ بَقِيَتْ أَرْبَعُ سَنَوَاتٍ فَقَطْ مِنْ حُكْمِ النَّفْي، وَسَيَكُونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ نَنْعَمَ بِجَمَالِ هَذَا الْوَادِي قَبْلَ أَنْ نَعُودَ إِلَى الْوَطَنِ.

هَبَطَ الْأُمَرَاءُ إِلَى الْوَادِي، وَأَخَذُوا يَبْنُونَ كُوخًا صَغِيرًا مِنَ الْخَشَبِ، وَالْقَصَبِ، وَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ. وَبَعْدَ أَنِ اِنْتَهُوا، نَظَرُوا إِلَيْهِ فَرِحِينَ، كأَنَّهُم يَنْظُرُونَ إِلَى قَصْرٍ مُهِيبٍ وَلَيْسَ إِلَى كُوخٍ صَغِيرٍ وَضِيعٍ.

قَضَى الْأُمَرَاءُ الشِّتَاءَ فِي ذَلِكَ الْكُوخِ، وَطَوَالَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَرَوا أَيَّ شَيْطَانٍ. وَفِي الرَّبِيعِ، تَغَيَّرَ الْجَوُ، فَظَّنَ الْأُمَرَاءُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ طَبِيعِيٌّ. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ عَادَتْ إِلَى الْغَابَةِ. كَانَتِ الشَّيَاطِينُ مَشْغُولَةً بِحَرْبٍ اِسْتَمَرَّتْ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ. وَبَعْدَ أَنِ اِنْتَهَتِ الْحَرْبُ، عَادَ مَلِكُ الشَّيَاطِينِ رَفَانَا إِلَى الْغَابَةِ، وَرَأَى كُوخَ الْأُمَرَاءِ، وَعَرَفَ قِصَّتَهُم مِنْ أَخِيهِ حَاكِمُ الْغَابَةِ. كَانَ أَخُوهُ مَارْتِشِي حَاكِمُ الْغَابَةِ، وَكَانَ شَيْطَانًا يَمِيلُ إِلَى الْهُدُوءِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُهَاجِمِ الْأُمَرَاءَ مُطْلَقًا. وَعِنْدَمَا سَأَلَهُ أَخُوهُ، قَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَؤُلَاءِ الْبَشَرُ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا سُوَى الْعَيْشِ هُنَا؛ فَلِمَاذَا نُؤْذِيهِم؟

قَالَ الشَّيْطَانُ رَفَانَا: هَلْ تَسْأَلُ لِمَاذَا؟! إِنَّهُ الصِّرَاعُ الْأَبَدِيُّ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالشَّيَاطِينِ! لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعِيشَ فِي أُلْفَةٍ وَسَكِينَةٍ أَبَدًا. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ أَنْفَقْتُ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ فِي حَرْبِ الْبَشَرِ كَيْ أَبْنِي مَوْطِنًا لِبَنِي جِنْسِنَا؟

قَالَ أَخُوهُ مَارْتِشِي: كَلَّا، أَيُّهَا الْمَلِكُ. لَقَدْ خُضْتَ حَرْبَكَ ضِدَّ الشَّيَاطِينِ أَيْضًا؛ فَأَنْتَ لَا تُرِيدُ غَيْرَكَ مَلِكًا، وَأَنْتَ لَا تُحِبُّ السَّلَامَ وَالْهُدُوءَ، بَلْ تُحِبُّ الْحَرْبَ وَالْأَذَى. وَلِهَذَا السَّبَبِ، أَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُؤْذِي هَذِهِ الْعَائِلَةَ المُسَالِمَةَ!

غَضِبَ الشَّيْطَانُ رَفَانَا، وَقَالَ: أَنْتَ قَصِيرُ النَّظَرِ، يَا مَارْتِشِي! إِذَا تَرَكْتَهُم آمِنِينَ، فَسَوْفَ يُهَاجِمُونَكَ قَبْلَ أَنْ تُهَاجِمَهُم. يَبَدُو أَنَّ بَقَاءَكَ فِي هَذِهِ الْغَابَةِ قَدْ طَالَ وَأَفْسَدَ طَبِيعَتَكَ الشَّيْطَانِيَّةَ، يَجِبُ أَنْ نَأْخُذَكَ مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ!

تَنَهَّدَ مَارْتِشِي، وَقَالَ: هُنَالِكَ شَيْءٌ لَا تَعْرِفُهُ، أَيُّهَا الْمَلِكُ. إِنَّ الْأَمِيرَيْنِ يَحْمِلَانِ أَسْلِحَةً مَسْحُورَةً مِنْ أَسْلِحَةِ النَّاسِكِ. وَقَدْ أَقْسَمَ الْأَمِيرُ رَامَا أَنْ يُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنَ الشَّيَاطِينِ الشَّرِّيرَةِ؛ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ رَجُلٌ بَاسِلٌ، وَسَوْفَ يُنَفِّذُ وَعْدَهُ.

تَفَاجَأَ الشَّيْطَانُ رَفَانَا، ثُمَّ صَاحَ: اللَّعْنَةُ عَلَى ذَلِكَ النَّاسِكِ!

صَمَتَ الشَّيْطَانُ رَفَانَا قَلِيلًا مُتَفَكِّرًا، وَأَخَذَ يُرَتِّبُ خُطَّةً فِي رَأْسِهِ. وَبَعْدَ أَنِ اِنْتَهَى، طَلَبَ مِنْ أَخِيهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْخُطَّةِ، فَرَفَضَ مَارْتِشِي؛ لَكِنَّ رَفَانَا أَصَّرَ قَائِلًا: لَنْ تَعْرِفَ أَبَدًا إِذَا كُنْتَ طَيِّبَ الْقَلْبِ، أَوْ خَامِلَ الْجَسَدِ. وَأَنَا أُؤَكِّدُ أَنَّ طُولَ بَقَائِكَ هُنَا قَدْ جَعَلَ مِنْكَ خَامِلًا كَسُولًا، عَاجِزًا رِعْدِيدًا! فِإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُثْبِتَ لِي أَنَّكَ قَوِيٌّ قَدِيرٌ لَكِنَّكَ تَخْتَارُ الْاِبْتَعَادَ عَنِ الْأَذَى بِقَنَاعَةٍ تَامَّةٍ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تُشَارِكَنِي فِي خُطَّتِي.

اِقْتَنَعَ مَارْتِشِي آخِرَ الْأَمْرِ، وَسَأَلَ أَخَاهُ عَنْ خُطَّتِهِ، فَأَجَابَ: إِنْ تِلْكَ الْأَمِيرَةَ اِمْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ جِدًّا، وَأَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّ زَوْجَهَا يُحِبُّهَا كَثِيرًا. أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَهَا؛ لِأَنَّهُ سَيَسْعَى لِلثَّأْرِ وَيُصْبِحُ بَطَلًا أَمَامَ النَّاسِ. أَنَا أُرِيدُ أَنْ يُهَانَ وَيُذَلَّ. فَلَوْ خَطَفْتُهَا، سَتَنْكَسِرُ نَفْسُ رَامَا وَهَيْبَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُه... هَذَا مَا أُرِيدُهُ، وَهَذَا مَا سَيَحْدُثُ!

قَالَ أَخُوهُ: لَكِنَّكَ لَنْ تَنْجَحَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَيْنِ لَا يَتْرُكَانِ الْأَمِيرَةَ أَبَدًا. دَائِمًا يَبْقَى وَاحِدٌ مَعَهَا، وَهُوَ يَحْمِلُ سِلَاحًا مَسْحُورًا!

اِبْتَسَمَ الشَّيْطَانُ رَفَانَا، وَقَالَ: وَلِهَذَا سَوْفَ تُشَارِكُنِي فِي الْخُطَّةِ. سَوْفَ أَخْطِفُهَا إِلَى جَزِيرَتِي الْحَصِينَةِ لَنْكَا، وَسَوْفَ يَمُوتُ رَامَا اللَّعِينُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَنِي.

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، اِسْتَيْقَظَ الْأُمَرَاءُ بَاكِرًا كَعَادَتِهِم. نَظَرَ الْأُمَرَاءُ إِلَى السَّمَاءِ وَاِبْتَهَجُوا؛ لِأَنَّ السَّمَاءَ صَافِيَةٌ، وَالشَّمْسَ مُشْرِقَةٌ، وَالْهَوَاءَ عَلِيلٌ. جَلَسُوا قَلِيلًا فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ، ثُمَّ ذَهَبَ لَكْشِمَانُ كَيْ يُحْضِرَ فَاكِهَةً، وَقَامَتْ سِيتَا لِتَبْحَثَ عَنْ ظِلٍّ قَرِيبٍ مِنَ الْجِدْوَلِ، وَتَبِعَهَا زَوْجُهَا بَاسِمًا. وَبَعْدَ أَنْ جَلَسَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَأَمَّلَانِ الزَّهْرَ، رَأَيَا ظَبْيَةً تَسِيرُ قَرِيبًا مِنْهُمَا وَتَقْتَرِبُ مِنْهُمَا بِهُدُوءٍ كَيْ تَشْرَبَ.

تَأَمَّلَتْ سِيتَا الظَّبْيَةَ، ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: مَا أَجْمَلَ هَذِهِ الظَّبْيَةَ، يَا رَامَا! إِنَّهَا أَجْمَلُ مَخْلُوقٍ رَأَيْتُهُ مُنْذُ جِئْتُ إِلَى هَذِهِ الْغَابَةِ. لَيْتَنِي أَمْلِكُهَا. لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَالنَّظَرَ إِلَى عَيْنَيْهَا الوَاسِعَتَيْنِ الْجَمِيلَتَيْنِ. لَوْ حَصَلْتُ عَلَيْهَا، لَأَصْبَحْتُ أَسْعَدَ اِمْرَأَةٍ. إِنَّنِي أَشْعُرُ أَنَّ سَعَادَتِي مَعَهَا سَتَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ سَعَادَتِي إِذَا عُدْتُ إِلَى الْوَطَنِ.

نَظَرَ رَامَا إِلَى زَوْجَتِهِ وَفَكَّرَ أَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ شَيْئًا أَبَدًا مُنْذُ جَاءَتْ مَعَهُ، وَلَمْ تَشْتَكِ أَبَدًا، وَهِي كُلَّ يَوْمٍ تَبْتَسِمُ كَأَنَّهَا تَرْتَدِي الْحَرِيرَ لَا الْأَسْمَالَ، وَكَأَنَّهَا تَتَعَطَّرُ بِأَجْمَلِ الْعُطُورِ! شَعَرَ رَامَا أَنَّ زَوْجَتَهُ الْمُخْلِصَةَ تَسْتَحِقُ هَدِيَّةً كَبِيرَةً، تَسْتَحِقُ مِنْهُ شُكْرًا؛ فَقَامَ إِلَى قَوْسِهِ وَسِهَامِهِ وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ سُيُمْسِكُ الظَّبْيَةَ مِنْ أَجْلِهَا.

وَحِينَ رَأَتِ الظَّبْيَةُ سِلَاحَ رَامَا، فَرَّتْ نَحْوَ الْأَشْجَارِ وَاِخْتَفَتْ فِي الْغَابَةِ؛ فَرَكَضَ رَامَا خَلْفَهَا. وَحِينَ رَأَى أَخَاهُ لَكْشِمَانَ عَائِدًا، أَمَرَهُ أَنْ يَبْقَى مَعَ الْأَمِيرَةِ وَلَا يَتْرُكَهَا أَبَدًا، ثُمَّ عَادَ يَتْبَعُ الظَّبْيَةَ رَاكِضًا. رَمَى رَامَا الْكَثِيرَ مِنَ السِّهَامِ نَحْوَهَا، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَتِ الظَّبْيَةُ تَفِرُّ وَتُرَاوِغُ حَتَّى تَعَجَّبَ رَامَا مِنْ خِفَّتِهَا وَسُرْعَتِهَا. وَرَغْمَ هَذَا، ظَلَّ رَامَا يَتْبَعُهَا كَيْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ لِزَوْجَتِهِ. وَبَعْدَ سَاعَةٍ، شَعَرَ أَنَّ فِرَارَ تِلْكَ الظَّبْيَةِ لَيْسَ طَبِيعِيًّا أَبَدًا، وَأَحَسَّ أَنَّهَا شَيْطَانٌ مُتَخَفٍّ. فَكَّرَ رَامَا فِي زَوْجَتِهِ وَأَخِيهِ، وَأَدْرَكَ أَنَّهُمَا فِي خَطَرٍ كَبِيرٍ.

أَخْرَجَ رَامَا أَحَدَ سِهَامِ النَّاسِكِ، وَأَطْلَقَ عَلَى الظَّبْيَةِ، فَوَقَعَتْ وَتَحَوَّلَتْ إِلَى صُورَةِ الشَّيْطَانِ مَارْتِشِي. غَضِبَ الشَّيْطَانُ غَضَبًا شَدِيدًا، وَتَمَنَّى لَوْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ كَيْ يَقْتُلَ رَامَا. وَبِسَبَبِ حِقْدِهِ الْكَبِيرِ، قَلَّدَ صَوْتَ رَامَا وَصَاحَ صَيْحَةَ أَلَمٍ أَخِيرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ.

سَمِعَ لَكْشِمَانُ وَسِيتَا الصَّرْخَةَ؛ فَفَزِعَا، لَكِنَّ لَكْشِمَانَ لَمْ يَتَحَرَّكْ. صَاحَتْ سِيتَا: أَنْجِدْ أَخَاكَ! أَلَمْ تَسْمَعْ صَيْحَتَهُ؟ لِمَاذَا تَقِفُ جَامِدًا هَكَذَا؟

قَالَ لَكْشِمَانُ: كَلَّا أَيَّتُهَا الْأَمِيرَةُ! أَنَا أَعْرِفُ أَخِي تَمَامًا، وَهُوَ لَنْ يُصْدِرَ هَذِهِ الصَّرْخَةَ أَبَدًا! أَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ شَيْطَانٌ مَا. كَمَا أَنِي وَعَدْتُ أَخِي أَنْ أَبْقَى مَعَكِ وَأَحْرُسَكِ.

صَاحَتْ تِيسَا بَاكِيَةً: إِنَّهُ أَخُوكَ! أَخُوكَ مَنْ صَرَخَ! عَلَيْكَ أَنْ تُسَاعِدَهُ! لَا قِيمَةَ لِحَيَاتِي إِنْ مَاتَ! أَلَا مَانِعَ لَدَيْكَ إِنْ مَاتَ أَخُوكَ؟ أَسْرِعْ! أَنْقِذْهُ!

أَخَذَ لَكْشِمَانُ يُهَدِّئُهَا وَيُطَمْئِنُهَا، لَكِنَّهَا ظَلَّتْ تَبْكِي. أَخْبَرَ لَكْشِمَانُ الْأَمِيرَةَ أَنَّ رَامَا يَحْمِلُ الْكَثِيرَ مِنَ السِّهَامَ، وَأَنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا، وَأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْرَعَ شَيْطَانًا دُونَ سِلَاحٍ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ تُرِيدُ فَقَطْ أَنْ تَفْصِلَهُم عَنْ بَعْضِهِم.

صَاحَتِ الْأَمِيرَةُ غَاضِبَةً: أَنْتَ جَبَانٌ! كُلُّ هَذِهِ الْأَعْذَارُ لِأَنَّكَ خَائِفٌ أَنْ تَمُوتَ!

حَزِنَ الْأَمِيرُ لَكْشِمَانُ، وَقَالَ: أَنْتِ تَظْلِمِنَنِي بِهَذَا الْحُكْمِ، يَا أُخْتِي، لَكِنَّنِي سَوْفَ أَذْهَبُ كَيْ أُثْبِتَ لَكِ أَنَّهُ بِخَيْرٍ، وَسَوْفَ أَعُودُ بِسُرْعَةٍ. لَا تَتْرُكِي الْكُوخَ أَبَدًا. اِبْقَي فِي الدَّاخِلِ، وَلَا تُصْدِرِي صَوْتًا!

فَرِحَتِ الْأَمِيرَةُ أَنَّ الْأَمِيرَ ذَهَبَ لِيُنْقِذَ زَوْجَهَا، لَكِنَّهَا شَعْرَتْ بِالْخَوْفِ وَحِيدَةً، ثُمَّ أَخَذَتْ تَلُومُ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا طَلَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَنْ يُحْضِرَ لَهَا الظَّبْيَةَ. جَلَسَتِ الْأَمِيرَةُ حَزِينَةً أَمَامَ بَابِ الْكُوخِ. أَصَاخَتِ الْأَمِيرَةُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ حَوْلَهَا؛ بِسَبَبِ قَلَقِهَا عَلَى زَوْجِهَا. سَمِعَتِ الْأَمِيرَةُ حَفِيفَ الشَّجَرِ، وَخَرِيرَ الْجِدْوَلِ، وَزَقْزَقَةَ الْعَصَافِيرِ؛ لَكِنَّهَا لَمْ تَسْمَعَ أَيَّ خُطْوَةٍ بَشَرِيَّةٍ.

اِنْقَضَتْ دَقَائِقُ طَوِيلَةٌ، ثُمَّ سَمِعَتِ الْأَمِيرَةُ وَقْعَ خُطُوَاتٍ؛ فَنَهَضَتْ وَخَرَجَتْ، لَكِنَّهَا لَمْ تَرَ الْأَمِيرَيْنِ، بَلْ رَأَتْ شَيْخًا مُتْعَبًا. سَلَّمَ الشَّيْخُ عَلَى الْأَمِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا نَاسِكٌ مُسَافِرٌ. أَتَعَبَنِي السَّفَرُ، يَا اِبْنَتِي؛ فَهَلْ تَسْمَحِينَ لِي أَنْ أَجْلِسَ هُنَا؟

اِبْتَسَمَتِ الْأَمِيرَةُ، وَقَدَّمَتْ لَهُ طَعَامًا وَشَرَابًا وَجَلَسَتْ أَمَامَهُ. سَأَلَ الشَّيْخُ الْأَمِيرَةَ عَنْ قِصَّتِهَا؛ فَحَكَتِ الْأَمِيرَةُ لِلشَّيْخِ قِصَّتَهَا كُلَّهَا، ثُمَّ حَكَتْ لَهُ عَنِ الظَّبْيَةِ؛ فَضَحِكَ الشَّيْخُ وَوَقَفَ بِنَشَاطٍ وَقُوَّةٍ وَتَحَوَّلَ إِلَى شَابٍّ قَوِيٍّ قَبِيحٍ بِثِيَابٍ فَاخِرَةٍ وجَوَاهِرَ؛ فَعَرَفَتِ الْأَمِيرَةُ أَنَّهُ شَيْطَانٌ، وَأَنَّ الظَّبْيَةَ كَانَتْ حِيلَةً؛ فَنَدِمَتْ نَدَمًا شَدِيدًا. أَوْشَكَتِ الْأَمِيرَةُ أَنْ تَبْكِيَ، لَكِنَّ الشَّيْطَانَ اِقْتَرَبَ مِنْهَا بَاسِمًا، وَقَالَ: أَنَا رَفَانَا، مَلِكُ جَزِيرَةِ لَنْكَا. إِنَّهَا أَجْمَلُ جَزِيرَةٍ فِي الْعَالَمِ، وَلَنْ تَجِدِي مِثْلَهَا أَبَدًا. إِنِّي مُعْجَبٌ بِجَمَالِكِ، أَيَّتُهَا الْأَمِيرَةُ، وَأَتَمَنَى أَنْ تَأْتِي مَعِي وَتُصْبِحِي مَلِكَةَ الشَّيَاطِينِ وَالْعَفَارِيتِ مَعِي، وَقَرِيبًا، أَعِدُكِ أَنْ تَكُونِي مَلِكَةَ الْبَشَرِ كُلِّهِم.

صَاحَتِ الْأَمِيرَةُ غَاضِبَةً وَخَائِفَةً، وَفَرَّتْ مِنْ أَمَامِ الشَّيْطَانِ قَائِلَةً: إِنَّنِي زَوْجَةُ الْأَمِيرِ رَامَا! أَلَا تَعْرِفُهُ؟ إِنَّهُ رَجُلٌ قَوِيٌّ شُجَاعٌ، وَسَوْفَ يَقْتُلُكَ حِينَ يَرَاكَ!

ضَحِكَ الشَّيْطَانُ قَائِلًا: إِنَّهُ مَيِّتٌ الْآنَ. أَلَمْ تَسْمَعِي صَرْخَتَهُ؟ تِلْكَ الظَّبْيَةُ كَانَتْ أَخِيَ الْأَصْغَرَ مُتَخَفِّيًا. لَقَدْ مَاتَ مِيتَةً سَخِيفَةً.

لَمْ تُصَدِّقِ الْأَمِيرَةُ كَلَامَ الشَّيْطَانِ، لَكِنَّ مَلَامِحَهُ الْوَاثِقَةَ جَعَلَتْهَا تُصَدِّقُهُ. قَاوَمَتِ الْأَمِيرَةُ الدُّمُوعَ، وَقَالَتْ: وَرَغْمَ هَذَا، سَأَظَلُّ مُخْلِصَةً لِزَوْجِي بَقِيَّةَ حَيَاتِي.

غَضِبَ الشَّيْطَانُ، وَاِنْدَفَعَ نَحْوَ الْأَمِيرَةِ. وَبِحَرَكَةٍ وَاحِدَةٍ، حَمَلَ الشَّيْطَانُ الْأَمِيرَةَ وَقَفَزَ إِلَى عَرَبَتِهِ. صَاحَتِ الْأَمِيرَةُ، وَأَرَادَتْ أَنْ تَقْفِزَ، لَكِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يُمْسِكُهَا بِقُوَّةٍ. تَحَرَّكَتِ الْعَرَبَةُ، وَطَارَتْ فِي الْهَوَاءِ، وَسَارَتْ فَوْقَ الْغُيُومِ. صَاحَتِ الْأَمِيرَةُ خَائِفَةً، وَفَضَّلَتْ أَنْ تَقْفِزَ وَتَمُوتَ بَدَلَ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا إِلَى الشَّيْطَانِ.

سَمِعَ مَلِكُ النُّسُورِ صُرَاخَ الْأَمِيرَةِ؛ فَطَارَ نَحْوَ عَرَبَةِ رفَانَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْأَمِيرَةَ؛ فَسَخِرَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ: اِرْحَلْ مِنْ هُنَا أَيُّهَا الطَّائِرُ الْعَجُوزُ. أَنْتَ لَسْتَ نِدًّا لِي أَبَدًا.

لَكِنَّ مَلِكَ النُّسُورِ ظَلَّ يَحُومُ حَوْلَ الْعَرَبَةِ، وَيُهَاجِمُ الْعِفْرِيتَيْنِ اللَّذِينِ يَجُرَّانِ الْعَرَبَةَ. ضَاقَ الشَّيْطَانُ مِنْ مَلِكِ النُّسُورِ؛ فَرَفَعَ حِرْبَتَهُ وَطَعَنَهُ طَعْنَةً قَوِيَّةً حَتَّى سَقَطَ. صَاحَتِ الْأَمِيرَةُ خَائِفَةً، لَكِنَّ الشَّيْطَانَ ثَبَّتَهَا جَيِّدًا. وَرَغْمَ هَذَا، لَمْ تَسْتَسْلِمِ الْأَمِيرَةُ أَبَدًا. تَحَرَّكَتِ الْأَمِيرَةُ، وَصَرَخَتْ، وَعَضَّتِ الشَّيْطَانَ؛ لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُفْلِتَ. وَأَثْنَاءَ عِرَاكِهَا، سَقَطَ وِشَاحُهَا وَعِقُدُ اللُّؤْلُؤِ خَارِجَ الْعَرَبَةِ، وَوَقَعَا فَوْقَ جَبَلِ الْقُرُودِ. تَمَنَّتِ الْأَمِيرَةُ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حَيًّا، وَأَنْ يَعْثُرَ عَلَى وِشَاحِهَا وَيُنْقِذَهَا.

وَبَعْدَ أَيَّامٍ، اِقْتَرَبَتِ الْعَرَبَةُ مِنِ الْجَزِيرَةِ، رَأَتِ الْأَمِيرَةُ الْأَمْوَاجَ السَّوْدَاءَ الْعَاصِفَةَ. عَرَفَتِ الْأَمِيرَةُ أَنَّهَا سَتَبْقَى مُدَّةً طَوِيلَةً فِي سِجْنِ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّ الْجِبَالَ وَالْعَوَاصِفَ سَتُأَخِّرُ رَامَا، وَرُبَّمَا تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. تَمَكَّنَ الْيَأْسُ مِنَ الْأَمِيرَةِ؛ فَبَكَتْ وَاِسْتَسْلَمَتْ لِلْهُدُوءِ.

وَفِي الْغَابَةِ، عَادَ رَامَا مُسْرِعًا إِلَى الْكُوخِ وَقَدْ أَدْرَكَ الْحِيلَةِ. وَفِي الطَّرِيقِ، لَقِي رَامَا أَخَاهُ، فَصَاحَ: أَتَرَكْتَ الْأَمِيرَةَ وَحْدَهَا؟ لِمَاذَا خَالَفْتَ كَلَامِي؟ ثُمَّ رَكَضَا مَعًا إِلَى الْكُوخِ. وَحِينَ وَصَلَا؛ لَمْ يَجِدَهَا؛ فَعَرَفَا أَنَّ الشَّيَاطِينَ خَطَفَتْهَا. صَاحَ رَامَا غَاضِبًا، وَلَامَ أَخَاهُ. أَخَذَ الْأَمِيرُ لَكْشِمَانُ يُهَدِّئُ أَخَاهُ، ثُمَّ اِقْتَرَحَ أَنْ يَبْحَثَا حَوْلَ الْكُوخِ، وَفِي الْجِوَارِ، وبَعِيدًا؛ فَرُبَّمَا يَعْثُرَانِ عَلَيْهَا، لَكِنَّهُمَا لَمْ يَعْثُرَا عَلَيْهَا أَبَدًا. وَبَعْدَ مُدَّةٍ غَابَتِ الشَّمْسُ. وَكُلَّ بِضْعِ دَقَائِقَ، كَانَ رَامَا يَغْضَبُ، وَيَلُومُ أَخَاهُ، وَيَصْرُخُ يَائِسًا. وَكَانَ لَكْشِمَانُ يُطَمْئِنُهُ، وَيَعْتَذِرُ مِنْهُ، وَيَشْحَذُ هِمَّتَهُ. وبَعْدَ أَنْ حَلَّ اللَّيْلُ، عَثَرَا عَلَى مَلِكِ النُّسُورِ مَرْمِيًّا نَازِفًا. اِقْتَرَبَ الْأَمِيرَانِ مِنْهُ، فَوَجَدَاهُ يُوشِكُ أَنْ يَلْفِظَ أَنْفَاسَهُ الْأَخِيرَةَ.

اِنْحَنَى رَامَا فَوْقَ مَلِكِ النُّسُورِ، وَسَأَلَهُ عَمَّا أَصَابَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَأَى الْأَمِيرَةَ سِيتَا. تكَلَّمَ مَلِكُ النُّسُورِ: لَقَدْ طَعَنَنِي اللَّعِينُ رَفَانَا، وَأَنَا أُحَاوِلُ أَنْ أُنْقِذَهَا.

سَأَلَ رَامَا مُتَعَجِّلًا: أَخْبِرْنِي أَرْجُوكَ! إِلَى أَيْنَ اِتَّجَهَ؟ أَيَّ جِهَةٍ سَلَكَ ذَلِكَ اللَّعِينُ؟

أَجَابَ مَلِكُ النُّسُورِ: الْجَنُوبِ... جَبَلِ الْقُرُودِ... اُطْلُبَا عَوْنَ مَلِكَ الفَانَارَا... سُجْرِيفَا.

لَفَظَ مَلِكُ النُّسُورِ أَنْفَاسَهُ الْأَخِيرَةَ؛ فَدَفَنَهُ الْأَمِيرَانِ شَاكِرَيْنِ، ثُمَّ اِتَّجَهَا إِلَى الْجَنُوبِ. اِسْتَغْرَقَتِ الرِّحْلَةُ وَقْتًا طَوِيلًا. كَانَ رَامَا يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الْحُزْنِ، وَالْغَضَبِ، وَالنَّدَمِ. وَطَوَالَ الْوَقْتِ، كَانَ أَخُوهُ يُطَمْئِنُهُ وَيَبْعَثُ الْأَمَلَ فِي نَفْسِهِ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَصَلُوا إِلَى جَبَلِ الْقُرُودِ. تَسَلَّقَ الْأَمِيرَانِ الْجَبَلَ حَتَّى نِصْفِهِ. وَفَجْأَةً، قَفَزَ إِلَيْهِمَا قِرْدٌ ضَخْمٌ، وَهُوَ يَحْمِلُ حَرْبَةً. سَأَلَهُمُ الْقِرْدُ بِنَبْرَةٍ غَاضِبَةٍ مُخِيفَةٍ: مَنْ أَنْتُمَا؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمَا؟ وَإِلَى أَيْنَ تَتَجِهَانِ؟ وَمَاذَا تُرِيدَانِ؟ وَلِمَاذَا تُسْرِعَانِ؟ أَنَا هَانُومَانُ، سَفِيرُ الْمَلِكِ سُجْرِيفَا.

اِبْتَهَجَ الْأَمِيرُ رَامَا بِلِقَاءِ هَانُومَانَ، وَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ كُلِّهَا. قَالَ هَانُومَانُ: ذَلِكَ الشَّيْطَانُ اللَّعِينُ! لَقَدْ حَلَّقَتْ مَرْكَبَتُهُ فَوْقَنَا قَبْلَ أَشْهُرٍ، وَلَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا وُشَاحٌ وَعِقْدُ لُؤْلؤٍ. أَعْتَقِدُ أَنَّهُمَا مِلْكُ زَوْجَتِكِ. تَعَالَ وَتَعَرَّفْ عَلَيْهِمَا. لَقَدْ اِحْتَفَظْتُ بِهِ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ. تَعَالَ وَقَدِّمْ لِمَلِكِنَا التَّحِيَّةَ، وَاُطْلُبْ مِنْهُ الْعَوْنَ وَالْمُسَاعَدَةَ.

أَخْبَرَ هَانُومَانُ الْأَمِيرَيْنِ قِصَّةَ مَلِكِهِ. كَانَ الْمَلِكُ سُجْرِيفَا يَحْكُمُ قَبَائِلَ الفَانَارِ. تَتَكَوَّنُ هَذِهِ الْقَبِيلَةُ مِنْ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقِرَدَةِ. قُرُودُ هَذِهِ الْقَبَائِلِ قَوِيَّةٌ، وَبَعْضُهُم يَسْتَعْمِلُونَ السِّحْرَ. حَكَمَ سُجْرِيفَا مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى ثَارَ عَلَيْهِ أَخُوهُ بَالِي وَحَارَبَهُ. هَزَمَ بَالِي أَخَاهُ سُجْرِيفَا هَزِيمَةً سَاحِقَةً. هَرَبَ سُجْرِيفَا إِلَى هَذَا الْجَبَلِ، وَلَحِقَ بِهِ أَتْبَاعُهُ. أَصْبَحَ الْجَبَلُ يُسَمَّى جَبَلَ الْقُرُودِ، وَقَدْ أَصْبَحَ مَلِيئًا بِالْجُنُودِ أَنْصَارِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ سُجْرِيفَا وَالْهَارِبِينَ مِنْ بَطْشِ بَالِي.

ثُمَّ قَالَ لِرَامَا: رُبَّمَا تَسْتَطِيعُ، أَيُّهَا الْأَمِيرُ الْبَاسِلُ، أَنْ تُسَاعِدَ مَلِكَنَا وَتَرُدَّ لَهُ عَرْشَهُ. أَنَا وَاثِقٌ أَنَّ مَلِكَنَا سَوْفَ يَنْصُرُكَ بِجَيْشِهِ إِذَا سَاعَدْتَهُ فِي اِسْتِعَادَةِ عَرْشِهِ. أَنْتَ تَمْلِكُ قُوَّةً وَمَهَارَةً، وَلَدَيْكَ الْكَثِيرُ مِنَ السِّهَامِ الْمَسْحُورَةِ. إِنَّ لَدَيْكَ الْأَفْضَلِيَّةَ لِلْفَوزِ عَلَى بَالِي، لَكِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مُوَاجَهَةَ الشَّيْطَانِ اللَّعِينِ وَحْدَكَ.

اِقْتَنَعَ رَامَا وَأَخُوهُ بِكَلَامِ هَانُومَانَ. وَعِنْدَمَا دَخَلَا عَلَى الْمَلِكِ، حَيَّاهُ أَحْسَنَ تَحِيَّةٍ. أَخْبَرَ رَامَا الْمَلِكَ بِعَزْمِهِ عَلَى تَقْدِيمِ مُسَاعَدَتِهِ؛ فَاِبْتَهَجَ الْمَلِكُ كَثِيرًا. طَلَبَ رَامَا مِنْ مَلِكِ الْقُرُودِ أَنْ يَجْمَعَ جَيْشَهُ وَيَذْهَبَ إِلَى مَمْلَكَةِ كِشْكِنْدَةَ حَيْثُ يُقِيمُ بَالِي. وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَطْلُبَ نِزَالًا فَرْدِيًّا مَعَ بَالِي، ثُمَّ وَعَدَهُ أَنَّهُ سَيُصَوِّبُ عَلَيْهِ سَهْمًا مَسْحُورًا وَيَقْتُلُهُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.

وحِينَ اِجْتَمَعَ الْجَيْشَانِ، وَافَقَ بَالِي عَلَى نِزَالِ أَخِيهِ. كَانَ بَالِي وَاثِقًا أَنَّهُ سَيَهْزِمُ أَخَاهُ الْعَجُوزَ؛ فَتَقَدَّمَ مُخْتَالًا. أَخَذَ الْقِرْدَانِ يَتَصَارَعَانِ، وَكَانَ رَامَا يُرَاقِبُ صَامِتًا. ظَنَّ رَامَا أَنَّ سُجْرِيفَا سَيَتَمَكَّنُ مِنْ هَزِيمَةِ أَخِيهِ فِي نِزَالٍ فَرْدِيٍّ، لَكِنَّ بَالِي كَانَ قَوِيًّا جِدًّا. تَنَاوَلَ رَامَا قَوْسَهُ وَسَهْمًا، ثُمَّ صَوَّبَ عَلَى بَالِي وَقَتَلَهُ.

نَادَى هَانُومَانُ جَيْشَ بَالِي، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ إِلَى طَاعَةِ الْمَلِكِ سُجْرِيفَا، فَعَمَّ الصَّمْتُ دَقِيقَةً، ثُمَّ صَاحَ الْجَمِيعُ فَرِحِينَ. فَرِحَ الْجَمِيعُ بِسُقُوطِ الطَّاغِيَةِ بَالِي. وأَقْبَلَ الْمَلِكُ عَلَى رَامَا يَشْكُرُهُ وَيَعِدُهُ أَنْ يُنَفِّذَ وَعْدَهُ بَعْدَ الْاِحْتِفَالِ.

أَقَامَتْ مَمْلَكَةُ الْقُرُودِ اِحْتِفَالًا تِلْوَ آخَرَ. وَجَلَسَ سُجْرِيفَا عَلَى الْعَرْشِ مُجَدَّدًا، وَأَخَذَ يُدِيرُ أُمُورَ مَمْلَكَتِهِ. أَجَّلَ الْمَلِكُ وَعْدَهُ لِرَامَا، وَأَخَذَ يَتَنَاسَاهُ. وَمَكَثَ رَامَا وَأَخُوهُ شُهُورًا طَوِيلَةً وَهُمَا يَنْتَظِرَانِ الْجَيْشَ الَّذِي وَعَدَ سُجْرِيفَا بِإِرْسَالِهِ. شَعَرَ هَانُومَانُ بِالْخِزْي بِسَبَبِ تَجَاهُلِ الْمَلِكِ لِرَامَا. أَخَذَ هَانُومَانُ يُلَاحِقُ الْمَلِكَ وَيُذَكِّرُهُ بِوَعْدِهِ حَتَّى اِسْتَجَابَ لَهُ الْمَلِكُ أَخِيرًا.

جَهَّزَ هَانُومَانُ جَيْشًا قَوِيًّا، وَأَخْبَرَ رَامَا أَنَّهُ سَيَذْهَبُ لِاسْتِطْلَاعِ جَزِيرَةِ الشَّيَاطِينِ أَوَّلًا ثُمَّ يَعُودُ. قَادَ هَانُومَانُ الْجَيْشَ إِلَى الْجَنُوبِ. مَضَتْ شُهُورٌ طَوِيلَةٌ وَلَمْ يَعُدْ هَانُومَانُ، وَظَنَّ رَامَا أَنَّهُ هَلَكَ، وَأَخَذَهُ الْيَأْسُ، وَأَوْشَكَ أَنْ يَذْهَبَ بِمُفْرَدِهِ، لَكِنَّ هَانُومَانَ عَادَ أَخِيرًا.

كَانَ هَانُومَانُ قَدْ سَافَرَ مَعَ جَيْشِهِ فِي الْأَدْغَالِ، وَالْمُسْتَنْقَعَاتِ، والسُّهُولِ، وَالْهِضَابِ، وَالْجِبَالِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى جَبَلٍ شَاهِقٍ. تَسَلَّقَ هَانُومَانُ وَبَعْضُ الْقُرُودِ الْجَبَلَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى قِمَّتِهِ. فِي قِمَّةِ الْجَبَلِ، كَانَ هُنَالِكَ نَسْرٌ مَكْسُورُ الْجَنَاحِ. كَانَ اِسْمُ النَّسْرِ سِمْبَاتِي، وَكَانَ أَخُا مَلِكِ النُّسُورِ الَّذِي قَتَلَهُ رَفَانَا. حَدَّثَ سِمْبَاتِي هَانُومَانَ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَسَرَ جَنَاحَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يَطِيرَ عَالِيًا وَبِسُرْعَةٍ كَيْ يَصِلَ إِلَى الشَّمْسِ. وَقَدْ حَاوَلَ سِمْبَاتِي طَوِيلًا حَتَّى شَعَرَ بِالإِرْهَاقِ، وَكَانَ يُحَلِّقُ فَوْقَ بَحْرٍ أَسْودَ عَنِيفٍ، فَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَهْبِطُ فِيه. حَلَّقَ سِمْبَاتِي مُبْتَعِدًا حَتَّى سَقَطَ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَكَسَرَ أَحَدَ جَنَاحَيْهِ. ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى فِي إِحْدَى الْمَرَّاتِ مَرْكَبَةَ الشَّيْطَانِ رَفَانَا وَفِيهَا أَسِيرَةٌ غَاضِبَةٌ صَارِخَةٌ.

أَدْرَكَ هَانُومَانُ أَنَّ تِلْكَ الْأَسِيرَةَ هِيَ الْأَمِيرَةُ سِيتَا؛ فَفَرِحَ، ثُمَّ سَأَلَ سِمْبَاتِي عَنِ الْاتِّجَاهِ الَّذِي اِتَّجَهَ إِلَيْهِ رَفَانَا، فَأَجَابَ النَّسْرُ: تَابَعَ الطَّيَرَانَ فَوْقَ الْبَحْرِ حَتَّى حَطَّ عَلَى جَزِيرَتِهِ. أَلَا تَعْرِفُ أَنَّ جَزِيرَتَهُ وَرَاءَ هَذَا الْبَحْرِ؟!

شَكَرَ هَانُومَانُ سِمْبَاتِي، ثُمَّ هَبَطَ مِنَ الْجَبَلِ مُتَعَجِّلًا حَتَّى وَقَفَ أَمَامَ الْبَحْرِ. أَخْبَرَهُ مُسَاعِدُهُ أَنَّهُم لَنْ يَسْتَطِيعُوا عُبُورَ الْبَحْرِ بِالْجَيْشِ. أَمَرَ هَانُومَانُ جَيْشَهُ أَنْ يُعَسْكِرَ عِنْدَ سَفْحِ الْجَبَلِ، ثُمَّ ذَهَبَ وَحْدَهُ. أَرَادَ هَانُومَانُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَيَدْخُلَهَا كَيْ يَحْصُلَ عَلَى مَعْلُومَاتٍ عَنِ الْعَدُوِ؛ فَيَعْرِفُ عَدَدَ الشَّيَاطِينِ الْمُحَارِبَةِ، وَأَنْوَاعَ الْأَسْلِحَةِ الَّتِي يَسْتَخْدِمُونَهَا، وَيَجِدَ الْمَكَانَ الَّذِي يَسْجِنُ رَفَانَا سِيتَا فِيهِ.

عَادَ هَانُومَانُ يَنْظُرُ إِلَى الْبَحْرِ مُتَفَكِّرًا، ثُمَّ قَرَّرَ أَنْ يَقْفِزَ قَفْزَةً عَظِيمَةً مِنَ الشَّاطِئِ حَتَّى شَاطِئِ الْجَزِيرَةِ. كَانَ هَانُومَانُ وَاثِقًا مِنْ قُوَّتِهِ، وَكَانَ وَاثِقًا أَنَّ السِّحْرَ سَوْفَ يُسَاعِدُهُ. كَانَتْ فِكْرَةً خَطِيرَةً، وَقَدْ حَذَّرَهُ سِمْبَاتِي أَنْ يُبْحِرَ فِيهِ، فَمَاذَا لَوْ عَرَفَ أَنَّهُ يُفَكِّرُ فِي قَطْعِهِ بِقَفْزَةٍ عَظِيمَةٍ. ضَحِكَ هَانُومَانُ، وَقَرَّرَ أَنْ يُنَفِّذَ فِكْرَتَهُ كَيْ يَعُودَ إِلَى رَامَا ظَافِرًا بِشَيْءٍ ذِي بَالٍ.

تَسَلَّقَ هَانُومَانُ صَخْرَةً عَالِيَةً، ثُمَّ قَفَزَ قَفْزَةً عَظِيمَةً حَتَّى سَقَطَ عَلَى شَاطِئِ الْجَزِيرَةِ. كَانَ هَانُومَانُ يَتَوَقَّعُ أَنْ يَرَى أَرْضًا جَدْبَاءَ كَرِيهَةً، لَكِنَّهُ رَأَى الْخُضْرَةَ وَالزَّهْرَ حَوْلَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَرَأَى أَمَامَهُ طَرِيقًا مُعَبَّدًا بِالْمَرْمَرِ؛ فَتَعَجَّبَ. مَشَى هَانُومَانُ مُسْتَكْشِفًا، فَرَأَى الثِّمَارَ الْيَانِعَةَ، وَالْمَنَازِلَ الْوَاسِعَةَ الذَّهَبِيَّةَ، وَالْبُرُوجَ الْعَالِيةَ. وَتَسَلَّلَ حَتَى رَأَى قَصْرَ رَفَانَا الْبَدِيعَ. كَانَ قَصْرُ الشَّيْطَانِ مُرَصَّعًا بِالْأَحْجَارِ الْكَرِيمَةِ، وَمَطْلِيًّا بِالذَّهَبِ، وَمُعَبَّدًا بِالْمَرْمَرِ وَالزُّجَاجِ.

اِنْتَظَرَ هَانُومَانُ حَتَّى حَلَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ حَوَّلَ نَفْسَهُ إِلَى قِرْدٍ صَغِيرٍ. تَسَلَّلَ هَانُومَانُ فِي الْقَصْرِ، وَبَحَثَ عَنْ سِيتَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ إِلَّا الشَّيَاطِينَ. يَئِسَ هَانُومَانُ، وَمَشَى مُبْتَعِدًا. وَعِنْدَمَا كَانَ يَمْشِي بَيْنَ الْأَشْجَارِ، رَأَى بَيْتًا صَغِيرًا جَمِيلًا، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ رَآهُ مِنْ قَبْلُ.

رَكَضَ هَانُومَانُ نَحْوَهُ، وَهُنَاكَ رَأَى بَشَرِيَّةً تَرْقُدُ وَحَوْلَهَا عِفْرِيتَاتٌ يَحْرُسْنَهَا. عَرَفَ هَانُومَانُ أَنَّهَا سِيتَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَرِبْ؛ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكْتَشِفُوهُ وَتَفْسِدُ خُطَّتُهُ. اِنْتَظَرَ هَانُومَانُ حَتَّى الصَّبَاحِ، ثُمَّ تَسَلَّلَ إِلَى الْأَمِيرَةِ، وَهَمَسَ بِاسْمِ رَامَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ قَادِمٌ لإِنْقَاذِهَا. ظَنَّتِ الْأَمِيرَةُ أَنَّهَا تَتَوَهَّمُ؛ فَبَكَتْ حَزِينَةً. اِقْتَرَبَ هَانُومَانُ مِنْهَا، فَاِنْتَبَهَتْ سِيتَا إِلَى الْقِرْدِ الصَّغِيرِ الَّذِي قَفَزَ إِلَى حِضْنِهَا وَأَخَذَ يَهْمِسُ.

قَرَّبَتِ الْأَمِيرَةُ الْقِرْدَ مِنْهَا، فَنَظَرَتِ الْعِفْرِيتَاتُ إِلَيْهَا. وَحِينَ أَدْرَكْنَ أَنَّهُ قِرْدٌ صَغِيرٌ، اِبْتَعَدْنَ. كَلَّمَ هَانُومَانُ الْأَمِيرَةَ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّ رَامَا سَيُنْقِذُهَا، وَأَنَّهُ سَيَأْتِي مَعَ جَيْشٍ كَيْ يُطِيحَ بِمَمْلَكَةِ الشَّيْطَانِ اللَّعِينِ، ثُمَّ سَأَلَهَا إِنْ كَانَ رَفَانَا يُؤْذِيهَا. أَخْبَرَتْهُ الْأَمِيرَةُ أَنَّ رَفَانَا يَأْتِي كُلَّ صَبَاحٍ كَيْ يَطْلُبَ مِنَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُجْبِرْهَا عَلَى شَيْءٍ.

دَخَلَ رَفَانَا تِلْكَ اللَّحَظَةَ؛ فَاِخْتَبَأَ هَانُومَانُ. رَأَى هَانُومَانُ رَفَانَا، وَهُوَ يُقْنِعُ الْأَمِيرَةَ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ، وَهِيَ تَرْفُضُهُ. وَقَفَ رَفَانَا وَهَدَّدَهَا، وَسَبَّهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَا رَامَا مَيِّتٌ؛ فَبَكَتِ الْأَمِيرَةُ. ظَلَّتِ الْأَمِيرَةُ تَبْكِي طَوِيلًا بَعْدَ أَنْ خَرَجَ رَفَانَا؛ فَغَادَرَ هَانُومَانُ الْبَيْتَ غَاضِبًا. وَبَعْدَ أَنْ سَارَ مُدَّةً، اِسْتَسْلَمَ لِغَضَبِهِ. عَادَ هَانُومَانُ إِلَى شَكْلِهِ الطَّبِيعِي، وَأَخَذَ يَقْتَلِعُ الْأَشْجَارَ، وَيُحَطِّمُ الطُّرُقَاتِ وَالْمَنَازِلَ.

اِنْتَبَهَتِ الشَّيَاطِينُ لِوُجُودِ هُانُومَانَ؛ فَحَاصَرُوهُ. أَخَذَ هَانُومَانُ يُصَارِعُ الشَّيَاطِينُ، ثُمَّ تَسَلَّقَ بُرْجًا كَيْ يَقْفِزَ إِلَى الشَّاطِئِ، لَكِنَّ سَهْمًا أَصَابَهُ؛ فَسَقَطَ. قَيَّدَتِ الشَّيَاطِينُ هَانُومَانَ وَجَمَعُوا حَطَبًا كَيْ يُحْرِقُوهُ. وَحِينَ أَشْعَلُوا النَّارَ، اِحْتَرَقَ طَرَفُ ذَيْلِهِ. وَقَبْلَ أَنْ تَنْتَشِرَ النِّيرَانُ، أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ، وَأَطْفَأَ الْمَطَرُ النَّارَ. حَافَظَ هَانُومَانُ عَلَى النِّيرَانِ فِي ذَيْلِهِ، وَأَخَذَ يَرْكُضُ حَتَّى أَشْعَلَ النَّارَ فِي الْجَزِيرَةِ. اِنْشَغَلَتِ الشَّيَاطِينُ وَالْعَفَارِيتُ بِإِطْفَاءِ النَّارِ، وَلَمْ يَنْتَبِهُوا لِهَانُومَانَ الَّذِي تَسَلَّقَ بُرْجًا عَالِيًا. وَقَفَ هَانُومَانُ عَلَى قِمَّةِ الْبُرْجِ، ثُمَّ اِسْتَخْدَمَ قُوَّتَهُ وَسِحْرَهُ، وَقَفَزَ إِلَى الشَّاطئِ الْمُقَابِلِ.

وَحِينَ عَادَ هَانُومَانُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ، تَلَقَى الْعِلَاجَ؛ ثُمَّ تَحَرَّكَ عَائِدًا إِلَى الْمَمْلَكَةِ كَيْ يُبْلِغَ رَامَا بِمَا رَأَى. فَرِحَ رَامَا بِعَوْدَةِ هَانُومَانَ، وَاِطْمَئَنَّ حِينَ عَرَفَ أَنَّ سِيتَا حَيَّةٌ. شَكَرَ رَامَا هَانُومَانَ كَثِيرًا، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَطَلَبَ مِنْهُ هَانُومَانُ أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يُجَهِّزَ جَيْشًا لِهَزِيمَةِ رَفَانَا.

جَهَّزَ الْمَلِكُ جَيْشًا عَظِيمًا، وَجَعَلَ رَامَا قَائِدًا عَلَيْهِ. سَارَ الْجَيْشُ حَتَّى بَلَغَ الشَّاطِئَ الْمُقَابِلَ. بَلَغَ خَبَرُ الْجَيْشِ رَفَانَا، فَجَهَّزَ جَيْشًا، وَجَمَعَ الْقَادَةَ وَأَمَرَهُم أَنْ يُعِدُّوا خُطَّةً لِتَدْمِيرِ جَيْشِ الْعَدُوِّ. اِعْتَرَضَ أَخُوهُ الْأَصْغَرُ فَبْهِيشَانَ قَائِلًا: لَقَدْ سَئِمْنَا الْحَرْبَ. لَا تَمْضِي خَمْسَةُ أَعْوَامٍ دُونَ أَنْ نُحَارِبَ وَنَخْسَرَ الْكَثِيرِينَ مِنْ قَوْمِنَا. أَنْتَ مَلِكٌ سَفَّاحٌ، وَخَيْرٌ لَكَ أَنْ تُسَلِّمَ لَهُم أَمِيرَتَهُم. نَحْنُ لَا نُرِيدُ أَنْ نُدَمِّرَ مَمْلَكَتَنَا.

صَاحَ رَفَانَا غَاضِبًا: أَيَّ حَيَاةٍ تُرِيدُ أَنْ تَعِيشَ إِذَا كُنْتَ تَرْفُضُ الْحَرْبَ؟ أَنْتَ كَسُولٌ فَاسِدُ الْعَقْلِ!

قَالَ فَبْهِيشَانُ: بَلْ أَنَا حَكِيمٌ كَرِيمُ النَّفْسِ. وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ، لَمَا خَطَفْتُ الْأَمِيرَةَ، وَتَرَكْتُ أَخَانَا مَارتِشِي لِلْمَوْتِ!

صَاحَ رَفَانَا غَاضِبًا، وَهُوَ يَسْتَلُّ سَيْفَهُ: مَاذَا لَدَيْكَ أَيْضًا؟ هَلْ تَصِفُنِي بِالْحَمَاقَةِ وَالتَّهَوُّرِ؟ لَمْ يَبْقَ سِوَى أَنْ تَخُونَنِي وَتَنْضَمَّ إِلَى صُفُوفِ أَعْدَائِنَا!

وَقَفَ فَبْهِيشَانُ، وَقَالَ: وَهَذَا مَا سَوْفَ أَفْعَلُهُ؛ فَأَنَا لَا أَرْضَى بِالظُّلْمِ وَالْبَطْشِ.

خَرَجَ فَبْهِيشَانُ، وَطَارَ فَوْقَ الْبَحْرِ حَتَّى بَلَغَ جَيْشَ رَامَا، وَأَخْبَرَهُم بِقِصَّتِهِ. فِي الْبِدَايَةِ، لَمْ يُصَدِّقْ رَامَا فَبْهِيشَانُ، وَظَنَّ أَنَّهُ جَاسُوسٌ، لَكِنَّهُ صَدَّقَهُ حِينَ اِقْتَرَحَ عَلَيْهِم بِنَاءَ طَوْفٍ يَعْبُرُونَ بِهِ الْبَحْرَ، ثُمَّ أَخَذَ يُسَاعِدُهُم. بَنَى الْجَيْشُ عِدَّةَ أَطْوَافٍ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَبَرُوا الْبَحْرَ حَتَّى بَلَغُوا الْجَزِيرَةَ وَعَسْكَرُوا عَلَى أَطْرَافِهَا.

رَأَى رَفَانَا جَيْشَ الْعَدُوِ، يَقْتَرِبُ مِنَ الْمَدِينَةِ؛ فَأَمَرَ بِنَفْخِ أَبْوَاقِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَمَرَ الْجَيْشَ بِالتَّحَرُّكِ. اِلْتَقَى الْجَيْشَانِ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ. وَكَانَ جَيْشُ رَامَا يَقْتَلِعُ الْأَشَجَارَ، وَيَرْفَعُ الصُّخُورَ، وَيَرْمِيهَا عَلَى الْعَفَارِيتِ وَالشَّيَاطِينِ. وَكَانَ جَيْشُ الْعَدُوِ يَرْمِيهُم بِالسِّهَامِ، وَيُهَاجِمُهُم بِالسُّيُوفِ. سَقَطَ قَتْلَى مِنَ الْجَيْشَيْنِ.

اِسْتَمَرَّتِ الْحَرَبُ أَيَّامًا، وَكَادَتَ الشَّيَاطِينُ أَنْ تَنْتَصِرَ؛ لَكِنَّ رَامَا تَدَخَّلَ بِسِهَامِهِ الْمَسْحُورَةِ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُم الْكَثِيرَ. عَرَفَ رَفَانَا أَنَّ جَيْشَهُ سَيُهْزَمُ؛ فَأَمَرَ أَنْ يُوقِظُوا أَخَاهُ الشَّيْطَانَ الْعِمْلَاقَ. كَانَ أَخُوهُ الْعِمْلَاقُ شَيْطَانًا قَوِيًّا، وَكَانَ رَفَانَا يُبْقِيهِ نَائِمًا دَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَهْلِكُ الْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ، ويُحَطِّمُ الْبِيُوتَ حِينَ يَتَحَرَّكُ، وَيُدَمِّرُ الطُّرُقَاتِ حِينَ يَسِيرُ. كَانَ رَفَانَا يُوقِظُهُ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ كَيْ يُطْعِمَهُ ويُحَافِظَ عَلَيْهِ حَيًّا حَتَّى يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْحَالَاتِ الطَّارِئَةِ.

كَانَتْ تِلْكَ الْحَرْبُ حَالَةً طَارِئَةً تَسْتَدْعِي إِيقَاظَ الْعِمْلَاقِ. اِسْتَغْرَقَ إِيقَاظُ الْعِمْلَاقِ وَقْتًا طَوِيلًا. وَحِينَ خَرَجَ أَخِيرًا، وَقَفَتِ الشَّيَاطِينُ خَلْفَهُ، وَاِنْتَظَرَتْ أَنْ يَسْحَقَ الْعَدُوَّ. فَرَّ جَيْشُ الْقُرُودِ حِينَ رَأَوا الْعِمْلَاقَ، لَكِنَّ رَامَا تَقدَّمَ. رَفَعَ رَامَا ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ مَسْحُورَةٍ وَأَطْلَقَهَا عَلَى الْعِمْلَاقِ، فَسَقَطَ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّيَاطِينِ وَقَتَلَهَا.

رَأَى رَفَانَا أَخَاهُ، يَسْقُطُ مَقُتُولًا؛ فغَضِبَ. صَاحَ رَفَانَا وَخَرَجَ لِيَقْتُلَ رَامَا. أَخَذَ رَفَانَا قَوْسًا وَسِهَامًا، ثُمَّ أَطْلَقَ عَلَى رَامَا. رَاوَغَ رَامَا طَوِيلًا، وَرَاوَغَ رَفَانَا أَيْضًا. وَاِسْتَمَرَّا يَرْمِيَانِ الْأَسْهُمَ وَقْتًا طَوِيلًا حَتَّى شَعَرَ رَامَا بِالتَّعَبِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَ الشَّيَطَانَ أَبَدًا. صَاحَ لَكْشِمَانُ، يَحُثُّ أَخَاهُ؛ فَاِبْتَسَمَ رَامَا، وَأَخَذَ سَهْمًا مَسْحُورًا، وَأَطْلَقَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ الْبَاقِيَةِ عَلَى رَفَانَا الَّذِي حَمَلَ حَرْبَتَهُ وَاِقْتَرَبَ. أَصَابَ السَّهْمُ الْمَسْحُورُ قَلْبَ الشَّيَطَانِ، فَسَقَطَ مَيِّتًا. وَبَعْدَهَا، تَفَرَّقَتِ الشَّيَاطِينُ وَاِسْتَسْلَمَتْ.

تَوَّجَ رَامَا فَبْهِيشَانَ مَلِكًا عَلَى جَزِيرَةِ لَنْكَا، وَوَافَقَتِ الشَّيَاطِينُ وَقَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ. اِحْتَفَلَتِ الشَّيَاطِينُ بِمَوْتِ السَّفَّاحِ رَفَانَا، وغَنَّى كُلُّ شَيْءٍ فِي الْجَزِيرَةِ فَرَحًا. سَأَلَ رَامَا هَانُومَانَ أَنْ يَأْخُذَهُ إِلَى سِيتَا، وَتَحَرَّكَ رَاكِضًا فَرِحًا. وَلَمَّا سَمِعَتْ سِيتَا وَقْعَ خُطُواتٍ مُقْتَرِبَةٍ، ظَنَّتْ أَنَّ رفَانَا قَادِمٌ؛ فَأَعْرَضَتْ عَنِ الْبَابِ. سَمِعَتْ سِيتَا صَوْتَ رَامَا، فَالْتَفَتَتْ مُنْدَهِشَةً، وَصَاحَتْ فَرِحَةً، وَاِنْدَفَعَتْ نَحْوَهُ بَاكِيَةً.

وَحِينَ خَرَجَا، لَقِيَهُمَا لَكْشِمَان بَاسِمًا. قَالَ لَكْشِمَانُ: أَخِي الْعَزِيزُ، إِنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّكَ مُتْعَبٌ وَسَعِيدٌ أَيْضًا، وَرُبَّمَا لَا طَاقَةَ عِنْدَكَ لِلاِسْتِمَاعِ إِلَيَّ؛ لَكِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكَ بِأَمْرٍ مُهِمٍّ.

خَافَ رَامَا، وَتَوَقَّعَ خَبَرًا سَيِّئًا؛ لَكِنَّ لَكْشِمَانَ قَالَ: لَقَدْ اِنْتَهَتْ أَعْوَامُ النَّفْي. وَيَوْمُ غَدٍ سَيَكُونُ بَدَايَةَ الْعَامِ الْخَامِسِ عَشَرَ مُنْذُ غَادَرْنَا الْوَطَنَ؛ فَمَتَى تُرِيدُ أَنْ نَعُودَ؟

صَاحَتْ سِيتَا: نَعُودُ الْآنَ! لِنَعُدْ إِلَى الْوَطَنِ! لَقَدْ حَانَ مَوْعِدُ عَوْدَتِنَا أَخِيرًا!

فَنَبَّهَهَا لَكْشِمَانُ إِلَى أَنَّ رَامَا مُتْعَبٌ، وَأَنَّ الْجَيْشَ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَفِلَ، وَأَنَّهُم يَجِبُ أَنْ يُرْسِلُوا إِلَى أَخِيهِم بَهَارَاتَ أَوَّلًا.

تَطَوَّعَ هَانُومَانُ أَنْ يَذْهَبَ لِيُبْلِغَ بَهَارَاتَ بِخَبَرِ عَوْدَتِهِم، وَقرَّرَ رَامَا أَنْ يَعُودَ فِي الْيَوْمِ التَّالِي. أَقَامَ فَبْهِيشَانُ حَفْلًا كَبِيرًا لِتَوْدِيعِ رَامَا، ثُمَّ أَعْطَاهُ مَرْكَبَةَ أَخِيهِ كَيْ يَعُودَ إِلَى وَطَنِهِ بِسُرْعَةٍ. وَحِينَ وَصَلُوا أَخِيرًا، رَأَوا أَخَاهُم بَهَارَاتَ والشَّعْبَ كُلَّهُ بِاِنْتِظَارِهِم، وَقَدْ زُيِّنَتِ الشَّوَارِعُ، وَوُزِّعَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، وَاِرْتَفَعَتِ الْأَغَانِي. وَفِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ، تَوَّجَ بَهَارَاتُ أَخَاهُ رَامَا مَلِكًا، وَاِقْتَرَبَتِ الْمَلِكَةُ كِيكِي لِتَعْتَذِرَ مِنْهُ، فَسَامَحَهَا بَاسِمًا، وَبَحَثَ بِعَيْنَيْهِ عَنْ خَادِمَتِهَا الْعَجُوزِ الَّتِي تُرَافِقُهَا دَائِمًا، فَأَخْبَرَهُ بَهَارَاتُ أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ.

(1) كَانَ النَّاسُ ...................... الْأَمِيرَةَ سِيتَا.

There are no comments for this article at this moment. Add new comment .

Your email address will not be published. Required fields are marked *

@