حِذَاءُ الْبَخِيلِ

حِذَاءُ الْبَخِيلِ

This Arabic story is for learners of Arabic as an additional language. We took it from a book written by Kamil Keilany, an Egyptian writer and a poet. The original text was written for native speakers of Arabic. To make it suitable for learners of Arabic as an additional language, we have abridged it, rephrased it in an elegant, flowing, and less complicated prose, and added to it our creative writing touch. Besides, we have fully vowelized it to make more readable and comprehensible. Additionally, sentence structures are tailored for non-Arab learners of Arabic. This Arabic story is suitable for upper-intermediate and low advanced learners.

فِي عَهْدِ الْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيدِ، عَاشَ تَاجِرٌ ذَكِيٌّ فِي بَغْدَادَ، لَكِنَّهُ كَانَ بَخِيلًا جِدًّا. كَانَ الْبَخِيلُ يَعِيشُ فِي مَنْزِلٍ صَغِيرٍ قَدِيمٍ، وَيَلْبَسُ الْمَلَابِسَ الْقَدِيمَةَ الرَّخِيصَةَ، وَيَمْلِكُ حِذَاءً وَاحِدًا قَدِيمًا. اِشْتَرَى الْبَخِيلُ الْحِذَاءَ قَبْلَ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ. تَمَزَّقَ الْحِذَاءُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، لَكِنَّ الْبَخِيلَ لَمْ يَشْتَرِ غَيْرَهُ، بَلْ كَانَ يَضَعُ عَلَيْهِ رُقْعَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَكَانَتْ أَلْوَانُ الرُّقَعِ مُخْتَلِفَةً. وَبِسَبَبِ كَثْرَةِ الرُّقَعِ، أَصْبَحَ الْحِذَاءُ قَبِيحًا جِدًّا، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ حِذَاءَ الْبَخِيلِ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الْأَحْذِيَةِ.

وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، خَرَجَ الْبَخِيلُ إِلَى السُّوقِ. رَأَى الْبَخِيلُ تَاجِرَ أَوَانٍ زُجَاجِيَّةٍ مِنْ حَلَبَ، فَاِقْتَرَبَ مِنْهُ. عَرَفَ الْبَخِيلُ أَنَّ التَّاجِرَ الْحَلَبِيَّ مُسْتَعْجِلٌ وَبِحَاجَةٍ لِلْمَالِ. اِبْتَسَمَ الْبَخِيلُ فَرِحًا، ثُمَّ سَأَلَ التَّاجِرَ الْحَلَبِيَّ أَنْ يَبِيعَهُ كُلَّ الزُّجَاجِ الَّذِي مَعَهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَبْلَغًا. رَفَضَ التَّاجِرُ الْحَلَبِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَبْلغَ الَّذِي عَرَضَهُ الْبَخِيلُ قَلِيلٌ. اِقْتَرَبَ الْبَخِيلُ وَقَالَ لِلتَّاجِرِ الْحَلَبِيِّ: أَنَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ شِرَاءَ كُلِّ مَا مَعَكَ. فَإِذَا بِعْتَنِي الْآنَ، يُمْكِنُكَ أَنْ تُغَادِرَ خَفِيفًا وَجَيْبُكَ مَلِيْءٌ بِالدَّنَانِيرِ. أَنْتَ غَرِيبٌ عَنْ بَغْدَادَ، يَا أَخِي، وَلَا تَعْرِفُ عَنْهَا شَيْئًا. أَنْتَ لَا تَعْرِفُ أَنَّ الْبَغْدَادِيِينَ لَا يُحِبُّونَ الزُّجَاجَ! لَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ بِضَاعَتَكَ!

كَانَ الْبَخِيلُ يَكْذِبُ، لَكِنَّ التَّاجِرَ الْحَلَبِيَّ صَدَّقَ كِذْبَتَهُ بَعْدَ بِضْعِ دَقَائِقَ؛ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ الْمَبْلَغَ الْبَسِيطَ، وَغَادَرَ. حَمَلَ الْبَخِيلُ الْبِضَاعَةَ فَرِحًا، وَفَكَّرَ أَنَّهُ سَوْفَ يَبِيعُ الزُّجَاجَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ ثَمَنِهِ. كَانَ الْبَخِيلُ سَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ رَبِحَ بِضَاعَةً بِأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ سِعْرِهَا الْحَقِيقِيِّ. وَفِي الطَّرِيقِ إِلَى الْبَيْتِ، فَكَّرَ أَنْ يَمْلَأَ الْأَوَانِيَ الزُّجَاجِيَّةَ الْجَمِيلَةَ بِشَيْءٍ مَا؛ فَيَبِيعُهَا وَيَرْبَحُ أَكْثَرَ.

ذَهَبَ الْبَخِيلُ إِلَى سُوقِ الْعَطَّارِينَ، وَبَحَثَ عَنْ عَطَّارٍ غَرِيبٍ، ثُمَّ دَخَلَ دُكَّانَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ سِعْرِ مَاءِ الْوَرْدِ. وَحِينَ عَرَفَ الْبَخِيلُ السِّعْرَ، قَالَ: لِمَاذَا سِعْرُهُ غَالٍ جِدًّا؟ لَا أَحَدَ يَشْتَرِي مَاءَ الْوَرْدِ كُلَّ يَوْمٍ. سَوْفَ تَفْسُدُ بِضَاعَتُكَ، يَا أَخِي.

ثُمَّ أَخَذَ الْبَخِيلُ يُقْنِعُ الْعَطَّارَ أَنْ يُنْقِذَ بِضَاعَتَهُ مِنَ الْفَسَادِ، وَيَبِيعَهَا لَهُ بِأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ سِعْرِهَا. وَفِي النِّهَايَةِ، اِشْتَرَى الْبَخِيلُ كَمِيَّةً كَبِيرَةً مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ بِالسِّعْرِ الَّذِي عَرَضَهُ. وَحِينَ وَصَلَ الْبَخِيلُ إِلَى الْبَيْتِ، وَضَعَ مَاءَ الْوَرْدِ فِي الْأَوَانِي الزُّجَاجِيَّةِ الْجَمِيلَةِ، وَقَرَّرَ أَنْ يَبِيعَهَا فِي الْأُسْبُوعِ الْقَادِمِ بِثَمَنٍ غَالٍ جِدًّا؛ فَيَرْبَحُ أَكْثَرَ. رَفَعَ الْبَخِيلُ الْأَوَانِيَ الزُّجَاجِيَّةَ إِلَى رَفٍّ مُرْتَفِعٍ كَيْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا.

وَفِي الْمَسَاءِ، ذَهَبَ الْبَخِيلُ إِلَى الْحَمَّامِ. كَانَ مَالِكُ الْحَمَّامِ صَدِيقًا لَهُ، وَكَانَ يَدْفَعُ لَهُ أَقَلَّ مِنْ غَيْرِهِ. رَأَى الصَّدِيقُ الْبَخِيلَ، فَرَحَّبَ بِهِ بَاسِمًا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى حِذَائِهِ قَائِلًا: مَتَى تَشْتَرِي حِذَاءً جَدِيدًا، يَا صَاحِبِي؟ أَنْتَ غَنِيٌّ، وَمَالُكَ أَكْثَرُ مِنْ مَالِي، لَكِنَّكَ تَبْخَلُ أَنْ تَرْمِي هَذَا الْحِذَاءِ. إِنَّنِي أَشْعُرُ أَنَّ حِذَاءَكَ سَوْفَ يُعَاقِبُكَ يَوْمًا مَا.

ضَحِكَ الْبَخِيلُ، وقَالَ: لِمَاذَا أُنْفِقُ مَالِي عَلَى حِذَاءٍ؟ الرُّقَعُ كَثِيرَةٌ فِيهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بَشِعًا، وَهُوَ يَقُومُ بِوَظِيفَتِهِ؛ فَهُوَ يَحْمِينِي مِنْ أَذَى الطَّرِيقِ، وَهَذَا يَكْفِي!

ثُمَّ دَخَلَ الْبَخِيلُ لِيَسْتَحِمَّ، وَبَقِيَ فِي الدَّاخِلِ وَقْتًا طَوِيلًا. وَحِينَ اِنْتَهَى الْبَخِيلُ، كَانَ الْجَمِيعُ قَدْ غَادَرَ. مَشَى الْبَخِيلُ صَامِتًا، وَهُوَ يُجَفِّفُ نَفْسَهُ. رَأَى الْبَخِيلُ حِذَاءً جَدِيدًا فَوْقَ وِسَادَةٍ نَظِيفَةٍ، فَظَنَّ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ أَهْدَاهُ حِذَاءً. فَرِحَ الْبَخِيلُ بِالْحِذَاءِ الَّذِي لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ دِينَارًا وَاحِدًا، ثُمَّ لَبِسَ مَلَابِسَهُ وَغَادَرَ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ حِذَاءَهُ الْقَدِيمَ.

وَفِي إِحْدَى غُرَفِ الْحَمَّامِ الْخَاصَّةِ، كَانَ قَاضِيُ بَغْدَادَ يَسْتَحِمُّ. وَحِينَ خَرَجَ الْقَاضِيُ، لَمْ يَجِدْ حِذَاءَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ؛ فَغَضِبَ، وَصَاحَ: مَنْ هَذَا اللِّصُّ الْحَقِيرُ؟

جَاءَ مَالِكُ الْحَمَّامِ خَائِفًا، وَسَأَلَ الْقَاضِيَ عَنِ الْمُشْكِلَةِ. أَمَرَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْعَامِلِينَ أَنْ يَبْحَثُوا عَنْ حِذَاءٍ لَا صَاحِبَ لَهُ، حَتَّى وَجَدُوا حِذَاءَ الْبَخِيلِ. أَمَرَ الْقَاضِيُ عَسَاكِرَهُ أَنْ يُحْضِرُوا اللِّصَّ. وَحِينَ وَصَلَ الْبَخِيلُ، أَخْبَرَ الْقَاضِيَ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقِ الْحِذَاءَ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُصَدِّقْهُ؛ فَأَمَرَ بِجَلْدِهِ، وَحَبْسِهِ، وَجَعَلَهُ يَدْفَعُ غَرَامَةً كَبِيرَةً.

وَبَعْدَ أَنْ خَرَجَ الْبَخِيلُ مِنَ السِّجْنِ، قَرَّرَ أَنْ يُعَاقِبَ حِذَاءَهُ؛ فَرَمَاهُ فِي نَهْرِ دِجْلَةَ وَعَادَ إِلَى الْبَيْتِ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، عَثَرَ صَيَّادٌ عَلَى حِذَاءِ الْبَخِيلِ، فَعَرَفَهُ. ظَنَّ الصَّيَّادُ أَنَّ حِذَاءَ الْبَخِيلِ سَقَطَ دُونَ قَصْدٍ مِنْهُ، وَأَنَّ الْبَخِيلَ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَحْثَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ؛ فَقَرَّرَ أَنْ يُعِيدَ لَهُ حِذَاءَهُ. حَمَلَ الصَّيَّادُ الْحِذَاءَ وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْبَخِيلِ. طَرَقَ الصَّيَّادُ الْبَابَ طَوِيلًا، لَكِنَّ الْبَخِيلَ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ. رَأَى الصَّيَّادُ نَافِذَةً مَفْتُوحَةً، فَرَمَى الْحِذَاءَ مِنَ النَّافِذَةِ إِلَى الدَّاخِلِ. لَمْ يَعْرِفِ الصَّيَّادُ أَنَّ حِذَاءَ الْبَخِيلِ الثَّقِيلَ وَقَعَ عَلَى الْأَوَانِي الزُّجَاجِيَّةِ؛ فَحَطَّمَهَا، وَدَمَّرَ ثَرْوَةً كَبِيرَةً.

عَادَ الْبَخِيلُ إِلَى بَيْتِهِ فِي الْمَسَاءِ، فَوَجَدَ ثَرْوَتَهُ مُحَطَّمَةً مَسْكُوبَةً عَلَى الْأَرْضِ، وَبِجَانِبِهَا حِذَاؤُهُ الْمَلْعُونُ؛ فَصَاحَ، وَبَكَى، وَصَفَعَ وَجْهَهُ. حَمَلَ الْبَخِيلُ حِذَاءَهُ، وَقَالَ: لِمَاذَا تَفْعَلُ بِي هَذَا؟ لِمَاذَا أَيُّهَا الْمَلْعُونُ؟! هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَبْقَى مَعِي إِلَى الْأَبَدِ؟ لَقَدْ دَخَلْتُ السِّجْنَ، وَدَفَعْتُ غَرَامَةً كَبِيرَةً، وَخَسِرْتُ ثَرْوَتِي بِسَبَبِكَ. كُلُّ مَصَائِبِي بِسَبَبِكَ. سَوْفَ أَحْفِرُ لَكَ قَبْرًا وَأَدْفِنُكَ، وَلَنْ تَعُودَ مِنْهُ أَبَدًا.

ثُمَّ خَرَجَ إِلَى فِنَاءِ بَيْتِهِ، وَأَخَذَ مِعْوَلَهُ، ثُمَّ أَخَذَ يَحْفِرُ حُفْرَةً عَمِيقَةً لِلْحِذَاءِ. وَكَانَ الْوَقْتُ لَيْلًا، وَالْجِيرَانُ نِيَامًا، وَالشَّارِعُ هَادِئًا. سَمِعَ الْجِيرَانُ صَوْتَ الْحَفْرِ، فَظَنُّوا أَنَّ لِصًّا يُرِيدُ أَنْ يَقْتَحِمَ بَيْتَهُم. خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْجِيرَانِ وَذَهَبَ إِلَى الشُّرْطَةِ، وَأَخْبَرَهُم عَنِ اللِّصِّ.

ذَهَبَ الْعَسَاكِرُ إِلَى بَيْتِ الْبَخِيلِ، وَقَبَضُوا عَلَيْهِ. شَرَحَ الْبَخِيلُ لِلْقَاضِي أَنَّهُ كَانَ يَحْفِرُ قَبْرًا لِحِذَائِهِ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُصَدِّقْهُ؛ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِغَرَامَةٍ لِلْجِيرَانِ وَغَرَامَةٍ لِلْحُكُوَمَةِ. وَفِي الصَّبَاحِ، خَرَجَ الْبَخِيلُ غَاضِبًا مِنْ دَارِ الْقَضَاءِ؛ وَهُوَ يَحْمِلُ حِذَاءَهُ الْقَبِيحَ. فَكَّرَ الْبَخِيلُ طَوِيلًا فِي طَرِيقَةٍ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ الْحِذَاءِ الْمَلْعُونِ، ثُمَّ رَكِبَ عَرَبَةً وَذَهَبَ إِلَى نُزُلٍ بَعِيدٍ عَنْ مَنْزِلِهِ، وَدَخَلَ إِلَى حَمَّامِ النُّزُلِ، ثُمَّ رَمَى الْحِذَاءَ فِي الْمِرْحَاضِ وَغَادَرَ.

وَفِي الْمَسَاءِ، طَرَقَ الْعَسَاكِرُ بَابَ بَيْتِ الْبَخِيلِ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَدْعِيهِ؛ لِأَنَّهُم وَجَدُوا حِذَاءَهُ الشَّهِيرَ قَدْ سَبَّبَ كَارِثَةً فِي حَمَّامِ أَحَدِ النُّزُلِ، وَأَنَّ مَالِكَ النُّزُلِ قَدِ اِشْتَكَى عَلَيْهِ. حَكَمَ الْقَاضِيُ عَلَى الْبَخِيلِ بِدَفْعِ غَرَامَةٍ لِإِصْلَاحِ الْأَضْرَارِ، وَغَرَامَةٍ تَعْوِيضِيَّةٍ لِصَاحِبِ النُّزُلِ، وَغَرَامَةٍ لِلْحُكُومَةِ.

غَادَرَ الْبَخِيلُ دَارَ الْقَضَاءِ بَاكِيًا، وَحَذَاؤُهُ الْقَبِيحُ النَّتِنُ بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ. كَلَّمَ الْبَخِيلُ حِذَاءَهُ: كُنْتَ قَبِيحًا، وَأَصْبَحْتَ كَرِيهَ الرَّائِحَةِ. إِلَى مَتَى تَنْوِي أَنْ تُعَاقِبَنِي لِأَنِّي وَضَعْتُ عَلَيْكَ رُقَعًا كَثِيرَةً؟ هَلْ هَذَا هُوَ السَّبَبُ؟ هَلْ تُرِيدُ حُرِّيَّتَكَ؟

وَحِينَ وَصَلَ الْبَخِيلُ إِلَى الْبَيْتِ، غَسَلَ الْحِذَاءَ جَيِّدًا، ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى سَطْحِ الْبَيْتِ. وَفِي الصَّبَاحِ، غَادَرَ الْبَخِيلُ بَيْتَهُ مُرْتَاحًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ كَلْبًا تَسَلَّقَ السُّلَّمَ إِلَى سَطْحِ الْبَيْتِ، وَحَمَلَ الْحِذَاءَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، ثُمَّ رَمَاهُ إِلَى الشَّارِعِ؛ فَوَقَعَ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ وَأَصَابَهُ. وَقَعَ الرَّجُلُ عَلَى الْأَرْضِ، وَسَالَ الدَّمُ مِنْ رَأْسِهِ. غَضِبَ الرَّجُلُ، وَذَهَبَ إِلَى الْقَاضِي، وَاِشْتَكَى عَلَى الْبَخِيلِ صَاحِبِ الْحِذَاءِ.

أَحْضَرَ الْعَسَاكِرُ الْبَخِيلَ مِنْ دُكَّانِهِ، فَصَاحَ، وَبَكَى، وَأَخْبَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ وَقَعَتِ الْمُصِيبَةُ، وَلَا مَنْ فَعَلَهَا؛ لَكِنَّ الْحِذَاءَ حِذَاؤُهُ وَالْجَمِيعُ يَعْرِفُ. حَكَمَ الْقَاضِيُ عَلَى الْبَخِيلِ أَنْ يَدْفَعَ غَرَامَةً لِعِلَاجِ الرَّجُلِ، وَغَرَامَةً تَعْوِيضِيَّةً، وَغَرَامَةً ثَالِثَةً لِلْحُكُومَةِ عِقَابًا لَهُ عَلَى كَسْرِ الْأَمْنِ فِي الشَّارِعِ.

عَادَ الْبَخِيلُ إِلَى بَيْتِهِ حَامِلًا الْحِذَاءَ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ، وَلَمْ يَغْضَبْ. حَسَبَ الْبَخِيلُ أَمْوَالَهُ الْبَاقِيَةَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ سَوْفَ يُصْبِحُ فَقِيرًا إِذَا وَقَعَ الْحِذَاءُ فِي مُصِيبَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ؛ فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْقَاضِي. أَخْبَرَ الْبَخِيلُ الْقَاضِيَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَكِيَ عَلَى حِذَائِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ كُلِّهَا. ضَحِكَ الْقَاضِيُ، وَسَأَلَ الْبَخِيلَ: وَمَاذَا تُرِيدُنِي أَنْ أَفْعَلَ؟ كُلُّ أَهْلِ بَغْدَادَ يَعْرِفُونَ حِذَاءَكَ، وَإِذَا سَبَّبَ مُشْكِلَةً فَأَنْتَ صَاحِبُ الْحِذَاءِ.

قَالَ الْبَخِيلُ: أُرِيدُ أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْهُ، وَأُرِيدُ مِنْكَ، يَا سَيِّدِي الْقَاضِي، أَنْ تَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ. أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَ هَذَا الْحِذَاءِ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَتَحَمَّلَ مَصَائِبَهُ. أَرْجُوكَ، يَا سَيِّدِي الْقَاضِي، أَعْلِنْ بَيْنَ النَّاسِ أَنِّي بَرِيْءٌ مِنْ هَذَا الْحِذَاءِ الْقَبِيحِ، وَأَنِّي لَسْتُ صَاحِبَهُ بَعْدَ الْيَوْمِ.

أَشْفَقَ الْقَاضِيُ عَلَى الْبَخِيلِ؛ فَكَتَبَ إِقْرَارًا بِذَلِكَ، وَأَعْلَنَهُ فِي بَغْدَادَ وَالْمُدُنِ الْمُجَاوِرَةِ. وَبِسَبَبِ الْإِعْلَانِ، عَرَفَ النَّاسُ قِصَّةَ حِذَاءِ الْبَخِيلِ، وَتَنَاقَلُوهَا بَيْنَهُم حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى الْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيدِ. كَانَ الْخَلِيفَةُ حَزِينًا مُكْتَئِبًا؛ فَلَمَّا سَمِعَ قِصَّةَ حِذَاءِ الْبَخِيلِ، ضَحِكَ، وَاِبْتَهَجَ، وَأَمَرَ أَنْ يَسْتَدْعُوا الْبَخِيلَ إِلَى مَجْلِسِهِ.

وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، عَادَ الْبَخِيلُ إِلَى بَيْتِهِ مُتْعَبًا؛ فَجَلَسَ وَنَامَ. وَفِي الْمَنَامِ، رَأَى الْبَخِيلُ حِذَاءَهُ، يَتَحَوَّلُ إِلَى إِنْسَانٍ وَيُكَلِّمُهُ. قَالَ الْحِذَاءُ: لَقَدْ غَضِبْتَ، وَحَزِنْتَ، وَبَكَيْتَ بِسَبَبِ مَصَائِبِي؛ وَأَنَا حَزِينٌ بِسَبَبِ هَذَا؛ لِأَنَّ الصَّاحِبَ لَا يَغْضَبُ مِنْ صَاحِبِهِ. وَلَقَدْ بَقِيْتُ مَعَكَ زَمَنًا طَوِيلًا؛ فَكَانَ عَلَيْكَ أَنْ تُشْفِقَ عَلَيَّ وَلَا تُهِينَنِي. وَأَنَا - وَاللَّهِ - لَا يَدَ لِي فِي الْمَصَائِبِ الَّتِي حَدَثَتْ، بَلْ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُعَاقِبَكَ عَلَى بُخْلِكَ. أَنَا مَعَكَ مِنْذُ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ وَأَكْثَرَ، وَلَا أَذْكُرُ أَنَّكَ أَعْطَيْتَ فَقِيرًا دِينَارًا وَاحِدًا، وَلَا أَشْفَقْتَ عَلَى مِسْكِينٍ، وَلَا أَنْفَقْتَ دِينَارًا فِي خَيْرٍ. أَنْتَ بَخِيلٌ، يَا صَاحِبِي، رَغْمَ أَنَّ أَمْوَالَكَ كَثِيرَةٌ. وَلِهَذَا، أَنَا غَيْرُ مُتَعَجِّبٍ أَنَّكَ خَسِرْتَ أَمْوَالَكَ. أَنْتَ تَعْلَمُ الْآنَ سَبَبَ بَلَائِكَ؛ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَتَجَنَّبَ الْمَصَائِبَ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَبْتَعِدَ عَنِ الْبُخْلِ، وَأَنْ تُسَاعِدَ الْأَقَارِبَ، وَالْجِيرَانَ، وَالْأَصْحَابَ، وَالْفُقَرَاءَ، وَالْمَسَاكِينَ. بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، يَا صَاحِبِي، تَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَتَتَجَنَّبُ الْمَصَائِبَ.

فَدُهِشَ الْبَخِيلُ مِنْ كَلَامِ الْحِذَاءِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ نَصِيحَتَكَ غَالِيَةٌ، وَسَوْفَ أَتَّبِعُهَا. لَقَدْ أَثْقَلَتِ الْمَصَائِبُ الْمُتَتَابِعَةُ نَفْسِي، وَأَنَا أَعِدُكَ الْآنَ أَنْ أُنَفِّذَ مَا قُلْتَهُ.

ثُمَّ اِسْتَيْقَظَ خَائِفًا مِنْ نَوْمِهِ بِسَبَبِ طَرَقَاتٍ قَوِيَّةٍ عَلَى بَابِهِ. رَكَضَ الْبَخِيلُ إِلى الْبَابِ، وَحِينَ رَأَى الْعَسَاكِرَ ظَنَّ أَنَّ الْحِذَاءَ وَقَعَ فِي مُصِيبَةٍ جَدِيدَةٍ. وَحِينَ أَخْبَرَهُ الْعَسَاكِرُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَطْلُبُهُ، خَافَ الْبَخِيلُ وَاِرْتَعَشَ. ظَلَّ الْبَخِيلُ يَرْتَعِشُ حَتَّى دَخَلَ مَجْلِسَ الْخَلِيفَةِ. كَانَ الْخَلِيفَةُ مُبْتَسِمًا؛ فَاِرْتَاحَ الْبَخِيلُ وَاطْمَأَنَّ. طَلَبَ الْخَلِيفَةُ مِنَ الْبَخِيلِ أَنْ يَحْكِي لَهُ قِصَّةَ حِذَائِهِ، فَحَكَى لَهُ الْبَخِيلُ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ رَوَى لَهُ حُلْمَهُ؛ فَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ، وَقَالَ: إِنَّهَا أَفْضَلُ نَصِيحَةٍ يَقُولُهَا حِذَاءٌ!

ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِضِعْفِ مَا خَسِرَهُ مِنْ أَمْوَالٍ بِسَبَبِ مَصَائِبِ الْحِذَاءِ؛ فَشَكَرَهُ الْبَخِيلُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَوْفَ يَجُودُ بِمَالِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَتَّى يَتَجَنَّبَ الْمَصَائِبَ وَعِقَابَ اللَّهِ.

(1) أَرَادَ الْبَخِيلُ مِنَ ...................... أَنْ يَشْهَدَ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنَ الْحِذَاءِ.

There are no comments for this article at this moment. Add new comment .

Your email address will not be published. Required fields are marked *

@