قصة قصيرة

نُوح

نُوح في الحلم، كان اسمه نوحًا، وكان يعرج، وكان يحمل الماء إلى أهله. السماء داكنةٌ دائمًا، حمراء دائمًا، لا نستبين الصبح من الليل سوى بنباح الكلاب من بداية الليل حتى الفجر؛ لكن لعلها غيَّرت مواعيدها. في الحلم، كان أسمر، كان ناحلًا، كان باسمًا. يشغل سيارته القديمة، ويحمل الماء إلى أهله كلهم. يزورهم فردًا فردًا، ويترك أمام أبوابهم ماءً نظيفًا. آبار المدينة تفرز دمًا. أسأله: من…

مَضَّنِي الْحُلْم

مَضَّنِي الْحُلْم أغلقت الأمُّ الباب؛ إذ مضَّها الحُلم ولم تلمسه. ومذ دهرٍ، أُوصِدَت كُلُّ الأبواب. ولدتُ قبل يومين، فلم أعرف الطيف المتاخم، ولم أعلِّم الغربان النعيق. عرفتُ من الأخوة المرتعشين في البرد، أنَّ الباب يفتح في الشتاء فحسب، يومين فقط. لم أميِّز الشتاء من غيره سوى بالبرد والثلج. تدفع الأم العصافير إلى الثلج، فنتقلَّب فوقه تأخذنا بهجة التنفس، ثم تأخذنا رعشة البرد، …

قرار

قرار يرتعش الجهاز الأبيض الصغير المشؤوم بين يديها بينا تختلس أذناها السمع لكل حركةٍ في محيطها. وفي توترها ذاك، تبدو أصوات السيارات زعيقًا، وأصوات الأطفال الضاحكة عويلًا، وبائع الفواكه الذي يهتف أن الكيلو التفاح بمائة ريال يفزعها ويضاعف ارتباكها وارتجافها. ظهر الخطَّان أخيرًا، وشعرت معهما بحياتها تنسحب رداءً حريرًا مهلهلًا من على جسدها المتعب وتتكوم على الأرض حول ساقيها ثم تت…

سَقَم

سَقَم (1) تقذف الطفلة الصغيرة حِجارتها في الهواء وتلتقطها كما علَّمتها أمها، لكن لا أحد معها ليراقب أنَّها تغش مرارًا وتكرارًا، ثم تركض إلى أمها متضاحكة لتخبرها أنَّها فازت للمرة العاشرة. تبتسم أمُّها دون تعليق، فتركض عائدة إلى الفناء لتكمل جولاتها، لكنها تكتشف أنَّ الملل قد فتك بها. تجلس وتمد ساقيها محدِّقةً في صندلها الزهري اللامع صامتةً مستشعرةً ببهجةٍ خفيَّةٍ نظرات طف…

دِمَاءٌ فِي الْحَقْلِ

دِمَاءٌ فِي الْحَقْلِ 261 ب. س خُطَى «زَيْنٍ» دائمًا مُتَلَكِّئَة. لم يشعر يومًا في حياته أنه بحاجة إلى الإسراع، وهذَا ما جعله سخرية أهل القرية الذين ما فتئوا ينادونه «خَسْرَان»؛ إذ ما انفك يخسر كل المسابقات التي تقيمها القرية، ويجني أقل محصول، ويجمع أقل حطب، ويصل آخر الناس إلى البئر، ويعود إلى أمه العجوز وهي على وشك أن تنفق. ورغم هذا لم يأكل الجراد يومًا محصوله، ولم يتسلل …

احتراق فراشة

احتراق فراشة  (1) السيِّدُ الصديق سبق أن أخبرتُكَ أنَّ الزواج قيدٌ، وما من شخصٍ يحبُّ القيود وإن كانت مصنوعةً من الذَّهب - كما يزعمون في عبارة القفص الذهبي. أنا امرأة متحررة تحيا في عالم الكتب أكثر مما تحيا في العالم الواقعي الزاخر بالنساء المفخخة ألسنتهن بالشتيمة والنميمة، وقد عاشرتُ هؤلاء النسوة في الكلية فلم أجد في نفسي إلا نفورًا منهن وغرقًا في الكتب، ورأيت من الرجال…