هاجر منصور سراج
30 نوفمبر، 2024
نقعد على أرصفة فارغة
نتعاطى اليأس ملفوفًا في قماطٍ هش
ونبكي...
يا فارسي الصغير المغادر دائمًا،
لم تحن لحظة موتك الكبرى
لم ينقسم الزمان إلى اثنين
ومرةً أخرى، وراء الغيم يقبع حصانك المشنوق
نراقب خفقات المنايا في قلوب الراحلين
نقبل أناملهم خاضعين
ونبكي...
يا يومنا المنشود،
مهلًا،
الطريق الطويلة إلى الغيم مرصوفة بالمدن المهجورة
وتحت حجارة الطريق يزحف الأمل خاشعًا لليأس
يا وهَجنا المنشود، يا سر الحكاية، والنهاية، والظلام
يَا يومنا المنشود،
أنتَ الذي ضيعت قافلتي
مزَّقت أجنحتي،
فتَّت أقنعتي
ورميت كل ثنايا الليل على جسدي
ندوبًا لا يواريها رذاذ البلور
ووجعي تسول إنسانًا...
الشارع يتسول خطواتٍ
لكن لا يدوسه سوى مطر غاضب وبقايا جثث قديمة
ذات مرةٍ،
رفعتْ زنبقة يتيمة أمام البيت رأسها للشمس
فخضعت أوراقها.
لم يترك الجيران سيرتها طوال الصيف،
ولم تنبس أوراق الحديقة نبسة
تمايلت الغيوم في أرجوحة السماء مذهولة
واسودَّ لون البرق
تدحرج حذاء قديم على رصيف الغائبين
لم تلتقطه يد الريح
ولم تعبث به أردية الغبار
قديمًا كالموت والحياة
وعبثًا حاول النور أن يلمس بقايا كعبه المثلوم
شاحبةً يا مدينتي رقدتِ
أبوابك القديمة لا تفيق مع النهار،
ولا تنام مع الليل
أيها النور الخفي وراء الغيم
وجهُكَ ساكنٌ/
لا يحمل الموتى أصواتهم بعد الرحيل
وأنا...؟
أفنى كما تفنى الفراشة
وأنطوي تحت جناح العنقاء
مهاجرة مع سربي الفاني
إلى خلودنا المنشود
لا يحمل الغرباء سيرتهم على أفواههم
بل يسترون زوايا العتم في أجسادهم بالنار
ويوارون الحقيقة خلف أكوام السجايا والمحاسن
يا يومنا المنشود،
تصرَّم الليل طويلًا جاثيًا
تزاحمت فيه شظايا النور في جسدي
وأسفرت الحقيقة وجهها للعتم
لا صوت في الليل يعكر وهجًا فجائيًا
ينبس الألم:
خذ صديدك اللامع، واحبس بقايا الدمع في جفون المرايا والوسائد
واترك أوشحة الليل الطويلة للسكارى،
والتائهين،
وغرباء المدينة
وحدها الأيام ثقيلة الوطء
تتنفس الذكريات القديمة...
وجواد الحضور غائبًا يفتت في الطريق بقايا الخبز للعابرين
أَمِط لثام الجفاء عن حسن اللقاء
وأَسْبِل ورد الحياة دَفِيئًا في قرِّ الشتاء
يا يومنا المنشود،
لعلني لمَّا أريت الطريق للمجانين
وددت استراق الخبز من جيوبهم.
لعلني لما سلكت درب الرحيل
أردت اختلاس الشوق من قلوبهم.
لعلني لمَّا قطعت شرايين المعصمين
رجوت ولوج عالمهم.
نامي يا مدينتي على جانبي الطريق القديمة
اتركي أذرع الاكتئاب تمتد على كتفيك المتعبين
وتجتز جدائلك الأزلية الأبدية
اتركي قلبك الغض لأنامل الموت الرقيقة
فلن تجهش الزنابق الصغيرة حول البيت بعد اليوم
ولن ترفع عيونها للنور.
وسوف يحرك رماد جسدك الهش دولاب الحياة.