في الحلم، كان اسمه نوحًا، وكان يعرج، وكان يحمل الماء إلى أهله. السماء داكنةٌ دائمًا، حمراء دائمًا، لا نستبين الصبح من الليل سوى بنباح الكلاب من بداية الليل حتى الفجر؛ لكن لعلها غيَّرت مواعيدها.
في الحلم، كان أسمر، كان ناحلًا، كان باسمًا. يشغل سيارته القديمة، ويحمل الماء إلى أهله كلهم. يزورهم فردًا فردًا، ويترك أمام أبوابهم ماءً نظيفًا. آبار المدينة تفرز دمًا. أسأله: من أين تجيء بالماء النظيف. يبتسم ولا يجيب، ويتفاقم العرج كلَّ يوم.
في الحلم، قال إنَّه أنفق في السجن عامًا، فنكصتُ مفزوعةً. يخبرني أنَّ السجن للرجال. أقول: ذاك من الماضي. السجن للأوغاد الآن. يده كبيرةٌ دافئةٌ تبث الهواء النظيف، لكنَّ جسده ناحلٌ، والعرج يتفاقم يومًا تلو آخر.
في الحلم، كان يبتسم حين رؤيتي. أُخبِره أن تشرتشل اسمٌ لا يليق بأخيه، فيبتسم، ثم يقول: وأنا؟ إبراهيم؟ لا أفهم، فيقول: نادني إبراهيم. أُحجِم، فيُطرِق وتتدلى غترته على وجهه. وفي كل يومٍ، يحترق. يتساقط رماده حين يمشي، ويتفاقم عرجه.
في الحلم، كان يزور نساء عائلته البائسات. يربت على أكفهن الضامرة، فيبكين. يربت على أكتافهن المنكسرة، فتتساقط عظامهن يأسًا. يربت على رؤوسهن المتعبة، فيتلاشين. أقول: أنتَ لا تحييهن. يرنو إليَّ شاردًا، ثم يقول: لأني ميِّت.
وحين أطبق الظلام على المدينة الحمراء وانتهى الحلم، تشرذمت الكلاب، وتصاعد نوحٌ شبحًا في سفينةٍ فارغة.